خارج التصنيفات
مع إصدار أي تقرير دولي يهم مجالات التعليم أو التنمية أو التشغيل أو الصحة نطلق العنان للبكاء الجماعي وجلسات جلد الذات بسبب عدم دخولنا ضمن المراتب المشرفة في التصنيفات الدولية، وكأننا نتوقع أن التقارير ومؤسسات التصنيف ستمنحنا هبة مجانية أو أن معجزة ربانية ستتدخل لوضعنا ضمن مصاف الصفوة دون مجهود يذكر. والحال أن نيل المراتب الأولى في مختلف السياسات العمومية عمل يومي جبار وتسخير إمكانيات مالية وبشرية، وقبل ذلك هو رؤية دولة واضحة وسياسة عمومية ناجعة وأهداف محددة بآجال زمنية.
وما يحز في النفس أنه بالإمكان أن نحتل المراتب المشرفة في كثير من المجالات، لكننا لا نشتغل على ذلك ولا نضع لذلك أي خطة أو استراتيجية، وكمثال على ذلك تصنيف شنغهاي للجامعات. فمنذ سنوات ونحن نشتكي من غياب الجامعات ضمن لائحة الألف جامعة، لكن سياستنا في مجال التعليم العالي لا تفعل شيئا لكي نحسن من صورة 14 جامعة التي نتوفر عليها، بل بالعكس تماما ظلت جامعاتنا بدون إمكانيات وبدون شروط عمل، بينما أصبح البحث العلمي آخر هموم الدولة والأستاذ الجامعي.
الأمر نفسه ينطبق على تصنيفنا في تقرير التنمية البشرية الذي نفقد فيه كل سنة مرتبة أو مراتب لتتقدم علينا دول فقيرة، والسبب بسيط أن الحكومات لا تضع نصب أعينها اتخاذ التدابير اللازمة لتحسين مؤشرات التنمية، رغم كل هذا التضخم الخطابي حول النموذج التنموي والذي لم يترجم بالشكل الكافي لكي يجعلنا، على الأقل، ندخل قائمة الخمسين دولة في تصنيف الأمم المتحدة للتنمية.
وللخروج من متاهات التصنيفات الدولية، لابد للحكومة من وضع برنامج عمل متخصص يقوم على رصد المؤشرات التي تستوجب التجويد ولو أدى الأمر إلى مراجعة وتعديل وإقرار تشريعات جديدة وتبني مبادرات فعالة وتغيير المسؤولين غير الأكفاء، لتحسين ترتيب المغرب في المؤشِّرات والتَّقارير الدوليَّة، ودون ذلك سنظل نراوح مكاننا هذا، نجتر كل سنة أوهام النمو والتقدم ومغرب الغد، بينما نحن نعيش خارج زمن التصنيفات الدولية في مختلف المجالات .