حُب فلسطين واستهداف الاحتلال.. غطاء برر به كارلوس اغتيالاته؟ – 5
سيرة «القاتل» كارلوس الذي استأجره الهواري بومدين لاغتيال الملك الحسن الثاني سنة 1978
تُوجّه لـ«كارلوس» تهمة استغلال جبهة التحرير الفلسطينية للتغطية على المهام السرية والجرائم التي حوكم بسببها وسُجن بفرنسا بعد صدور حكم المؤبد في حقه.
لكن الحقيقة أن «كارلوس» كان فعلا متعاطفا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. حتى أن آخر ظهور له أواخر سنة 2019، من داخل السجن بباريس، أثناء لقائه بأحد محاميه، كان يطوق فيه عنقه بالوشاح الفلسطيني الشهير، ويرفع شارة النصر مشهرا أصبعيه إلى السماء.
هي الأصابع نفسها، إذن، التي كان يمسك بها سلاحه بطريقة «السنايبر» مطلقا الرصاص بدقة متناهية لإصابة «الهدف» في مقتل.
قاتل مأجور أم مناضل ثوري؟
هذا الإشكال لن يستطيع أحد فك خيوطه المترابطة. فقد سبق لكارلوس أن صرح لوسائل إعلام عالمية، على لسان محاميه: «أنا ثوري محترف في خدمة حرب التحرير الفلسطينية».
الاحتراف في عدد من دول العالم، إن لم نقل جميعها لا يعني سوى أن الاغتيالات تُنجز بأثمنة محددة سلفا وباتفاقيات سرية. هذا الكلام يجرنا إلى العودة إلى حيث توقفنا. إلى باريس. فقد كانت هذه المدينة منذ سنة 1971 مسرحا لعمليات كارلوس وانتقالاته إلى الأردن لكي يتدرب على حمل السلاح، تاركا خلفه والديه في لندن، تقريبا لا يعلمان أي شيء بشأن أنشطته المسلحة السرية. لا يعلمان سوى أن دماء فنزويلا التي تسري في عروقه تؤمن بالثورة وتناهض بكثير من الحماس ممارسات الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية شأنه شأن مواطنين من أمريكا اللاتينية، كانت القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى.
في باريس التقى كارلوس بعدد من النشطاء اليساريين المغاربة، قبل أن يتورط في حادث مقتل شرطيين فرنسيين سنة 1972 ويصبح وجوده في فرنسا مختلفا تماما عن السابق.
التقى كارلوس مقربين من محمد الفقيه البصري الذي كان يضع القضية الفلسطينية في مقام القضية الوطنية الأولى التي كانت بالنسبة له معارضة نظام الملك الراحل الحسن الثاني.
بقية مسار محمد الفقيه البصري معروفة للمغاربة، أما عن علاقته بأجانب في فرنسا ممن هم على شاكلة «كارلوس» فلا تتوفر معطيات كافية بشأنها لأنه لم يتحدث عنها بالتفصيل قيد حياته. وبالتالي فإن الذين ذهبوا إلى احتمال وجود تنسيق بين الرجلين، تنقصهم في الحقيقة معطيات كثيرة بهذا الخصوص، خصوصا الذين ذهبوا إلى احتمال تنسيق محمد الفقيه البصري مع محترفين أجانب لإدخال السلاح إلى المغرب. وهو موضوع تنقصه الكثير من الدقة، بحكم أن وجود كارلوس وقتها في فرنسا كان مستحيلا، فمباشرة بعد الواقعة، قرر مغادرة فرنسا وعدم العودة إليها إلا بعدما حصل على جوازات من حكومات عربية، خصوصا الجزائر وسوريا والسودان، تمكن من خلالها من التحرك في بعض الدول الأوربية، وتجنب النزول في مطار باريس مخافة أن يتعرف عليه الأمنيون.
المُلاحَق رقم 1 في العالم
لم يكن «كارلوس» ليقوم بمغامرة مشابهة، خصوصا وأن الأجهزة السرية كانت تلاحقه أينما حل وارتحل. حتى أنه عندما كان في اليمن، حيث اعتنق الإسلام نهاية السبعينيات، واحتفل به مناصرو القضية الفلسطينية، كان يتمنى أن يستطيع زيارة لندن لرؤية أفراد عائلته التي طرأت عليها تحولات كثيرة، وعاد بعض أفرادها إلى فنزويلا بسبب التضييق الذي مورس عليهم من طرف مخابرات فرنسا وبريطانيا للوصول إلى «كارلوس». فنزويلا التزمت الحياد، رغم أن مواطنها «إيليش» أو «كارلوس» لم يكن يتردد على البلاد.
كان كارلوس من النوع الذي لا يحب النظر كثيرا إلى الخلف. ترك فنزويلا خلفه وهام في أرض الله الواسعة.
صوره الحديثة، الأكثر استفزازا، تشي بأنه لا يزال وفيا للقضية الفلسطينية التي يبرر بها كل الأعمال السابقة التي قام بها خلال السبعينيات. لكن ما علاقة التحالف مع النظام الجزائري والسوري، لتنفيذ اغتيالات همت أسماء عربية مرموقة، منهم وزراء وسفراء في دول أوربية؟ ماذا سيقدم اغتيال وزراء النفط أو وزراء دول عربية وسفرائها للقضية الفلسطينية؟ هذا ما لم يستطع كارلوس الجواب عنه سواء في المحاكمة أو خلال الحوارات الصحافية التي أجريت معه.
التفاصيل المقبلة حول علاقته بالنظام الجزائري، سوف ترفع هذا الالتباس.