شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

حياةُ في جامع الفنا..

يونس جنوحي

بعض النجوم العالميين الموجودين حاليا في مراكش، لحضور فعاليات المهرجان الدولي للفيلم، تعرض دول أخرى، بدون أي تردد، مبالغ ضخمة لاستضافتهم ولو لساعات لكي يروجوا لسياحتها أو يُعلنوا فقط أنهم حلوا بين سكانها.

لكن المشكل أن أغلب نجوم السينما العالمية مزاجيون. وبعضهم لن يترددوا في ترك كل ما هو جميل في تجربتهم، ويهاجموا بلدا بأكمله في حال فقدان حقيبتهم في المطار، أو تأخر السائق في الوصول إليهم لنقلهم من الفندق الذي ينزلون فيه إلى مقر النشاط الذي وُجهت لهم الدعوة لحضوره. وقد عانت دول كثيرة من هذا الموضوع مع نجوم عالميين تسببوا في تشويه سُمعة القطاع السياحي في عدد منها.

في مراكش، لا تنقصنا الفضيحة. فقد نددت أشهر البرامج السياحية العالمية بالنصب السياحي الذي يستهدف السياح في مراكش ويبيعهم الزرابي المصنوعة من النايلون الصيني الرخيص على أساس أنها تحف تاريخية تعود لمئات السنين، ويشترونها بآلاف الدولارات. بل إن بعض الشركات الأجنبية مارست ما يشبه الابتزاز ضد منشآت سياحية كبرى في مراكش بسبب شكاوى النزلاء الأجانب من مضايقات المرشدين العشوائيين الذين يُضللون السياح ويُسمسرون في كل من يظهر أنه أجنبي ويتقاضون عمولات من أصحاب المطاعم وباعة التحف ومحلات التذكارات مقابل تقريب الضحية من النصابين. وهناك برامج أخرى متخصصة تحدثت بكثير من التهويل عن تجارب السياح في قلب ساحة «جامع الفنا» واحدة من أقدم نقط التجمع البشرية فوق الأرض، ومعاناة السياح، بمن فيهم المحليون، مع مروضي الثعابين والقردة ومضايقاتهم للمارة وإجبارهم على التقاط الصور ودفع المقابل. ورغم ذلك بقي الناس يشدون الرحال إلى مراكش من كل مكان في العالم لكي يعيشوا التجربة.

ما يقع في مراكش ليس إلا نسخة طبق الأصل، وربما يبقى نسخة خفيفة مما يحدث في أغلب المدن السياحية حول العالم. المشاهد وحيل النصب نفسها تتكرر – عبر التاريخ- في كل المدن التي تحمل خصوصية سياحية ومآثر تُشد لها الرحال من جهات العالم الأربع. في آسيا يتعرض ملايين السياح سنويا لحوادث خطيرة ولا يتعرضون فقط للنصب وإنما للاختطاف. في الشرق الأوسط يعاني السياح من النصب وتُباع لهم الآثار المصنوعة من الجبس الرخيص على أساس أنها قطع لا نظير لها تعود للعهد الفرعوني. في أوروبا الشرقية وغرب آسيا يُنصب على السياح في وسائل النقل وتُسلب منهم أغراضهم بعناية من طرف لصوص يحملون أعلى الرتب في مجال النشل.

عندما ينشر السياح الأجانب عن الأمور التي لا يمكن أن تُعاش إلا في المغرب، لا تنال نصيبها من التداول كما يتم تداول حوادث النصب والاحتيال. مثلا، عندما ينشر مغامر فرنسي يعرفه الجميع قصة مصورة يُسجل فيها تجربته في قلب جبال الأطلس، ويحكي كيف تستضيفه الأسر المغربية بدون مقابل وتعد وليمة لاستقباله رغم أنها لا تعرف حتى من يكون ولا مقدار شهرته العالمية، وتتقاسم معه مؤونتها في تلك القرى المعزولة، لا تتجه أنظار من يحبون تصوير «العالم الثالث» على أنه بقاع خطيرة من العالم لا تستحق أن تُزار، إلى هذه التجربة، ويفضلون التركيز على حكايات النصب التي يمارسها من يمارسون واحدة من أقدم «الحِرف» في العالم.

كل الحكومات حول العالم تنهج سياسات لمحاربة النصب السياحي لأنه يكلفها إهدار العُملة الصعبة. ولا توجد حكومة واحدة في العالم تتنكر لاستهداف مواطن أجنبي فوق ترابها، خصوصا إن كان سائحا عابرا، لأن الأمر يؤثر على العلاقات الدبلوماسية ويضر بصورة البلاد في الخارج.. لكن، في النهاية، لا يجب أن تُهاجَم دول بأكملها فقط لأن سائحا بريطانيا مثلا تعرض للنصب في مراكش أو في تركمنستان، علما أن محفظة نقوده وهاتفه الشخصي سُلبا منه أكثر من مرة في محطة الميترو في قلب لندن!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى