حوتة وحدة
من بين دول المجموعة الأوروبية كانت ألمانيا، وإلى عهد قريب٬ البلد الوحيد الذي انتهج حيال اللاجئين أو طالبي اللجوء٬ سياسة انفتاح واحتضان نادرة. وفي غير ما مرة٬ صعدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى المنصة سواء في «البوندستاغ» أو في المحافل الأوروبية للدفاع عن هذه السياسة التي تعرضت لهجومات عنيفة من طرف قوى اليمين المتطرف ممثلا في حركة «بيغيدا»، والذي رأى في تدفق اللاجئين خطرا على التشكيلة الاثنية والاجتماعية للبلد. وعبرت الحركة، من خلال المظاهرات والاحتجاجات، عن رفضها لسياسة «الأبواب المفتوحة». لكن المستشارة الألمانية قاومت وحافظت على الخط نفسه الشيء الذي جعل منها في أعين اللاجئين «قديسة» «أما حنونا».
ورفع اللاجئون لافتات بالعربية والألمانية والإنجليزية عبروا فيها عن امتنانهم وشكرهم لألمانيا ولأنجيلا ميركل على وجه التحديد. وإلى الآن بلغ عدد طالبي اللجوء بألمانيا 101 مليون لاجئ. على مستوى آخر يتراوح عدد المهاجرين السريين الذين يعيشون على التراب الألماني بين 300 و400 ألف مهاجر. غير أن أطرافا شريرة من بين المهاجرين السريين كانت تعمل في الخفاء لنسف مجهودات ميركل وخلق حال من الفوضى في البلد قد تنعكس سلبا على مجموع المهاجرين. ذلك أنه في الوقت الذي كانت الشهب الاصطناعية تنير سماء مدينة كولونيا احتفالا برأس السنة الجديدة٬ كانت مئات الفتيات والسيدات الألمانيات بين مخالب مفترسين جنسيين مسطلين٬ مارسوا عليهن إما الاغتصاب وإما التعنيف أو السرقة. وقد تم التنسيق بين المغتصبين عبر «الواتساب»، الشيء الذي يدل على أن العملية كانت منسقة ومدبرة. وقد بلغ عددهن باعتراف من مصالح الشرطة 561 حالة. الفضيحة هي أن السلطات والشرطة الألمانية انتظرت ثلاثة أيام لتعلن عن وقوع هذه الاعتداءات٬ والتي أحدثت هزة نفسية ومعنوية قوية لدى الألمان ودفعت باليمين المتطرف إلى الركوب عليها والدعوة إلى طرد كل اللاجئين، وكانت المناسبة سانحة لكي ينعش اليمين المتطرف بطارية الفانتازمات والكليشيات التي تجد مرجعيتها في الحروب الصليبية. هكذا تم تحريك استيهامات، من قبيل أن المسلمين «وحوش قتلة» «مغتصبون» وأن النساء في تصورهم مجرد غنيمة إلخ… ونظم اليمين المتطرف حملات تأديبية في حق اللاجئين، كما تضاعف عدد مبيعات مسدسات الدفاع عن النفس المعروفة بمسدسات «سبراي»، واستبد الخوف إذن بالمواطنين.
أثبتت التحريات الأولية، بناء على حجز الهواتف النقالة وتحليل المكالمات وإفراغ صور الفيديو٬ ضلوع متهمين من إفريقيا الشمالية في هذه الاعتداءات، من بينهم مغاربة وجزائرييون٬ وقد ركز الإعلام الألماني على مسؤولية المغاربة في هذه الاعتداءات.. واعترفت شرطة منطقة رينان الشمالية بوجود شبكة مافيوية مغربية تنشط بألمانيا. النتيجة هي إسقاط ألمانيا عن المغاربة في بداية يناير الحق في طلب اللجوء السياسي. كما يلاحظ صمت سفارة المغرب وقنصليتها بمدينة كولونيا.
على أي فقد المغاربة الصورة الوردية التي كانوا يتمتعون بها في كل من بلجيكا٬ فرنسا٬ ألمانيا٬ سويسرا٬ الدنمارك، إما على خلفية الأعمال الإرهابية الأخيرة وإما بسبب الاعتداءات الجنسية. وقد ذهب بعض الملاحظين إلى أن هذه الأعمال الشنيعة تندرج في خطة داعشية محكمة لتأجيج «العداء المشترك» داخل أوروبا. ولم تكن مدينة كولونيا الألمانية٬ التي تعايشت بها إلى حد الآن 180 جنسية٬ وحدها مسرحا للاعتداءات، بل عرفت أيضا مدن مثل زوريخ، فرانكفورت٬ شتوتغارت، سالزبوغ بالنمسا وكذا فنلندا الاعتداءات نفسها.
جاءت الاعتداءات كذلك لتعزيز أطروحة اليمين المتطرف القائلة بأنه «يقبع إرهابي داخل كل لاجئ»، وهي أطروحة زائفة وخطيرة. على أي وجدت أنجيلا ميركل نفسها في موقف صعب بل في مأزق، الشيء الذي دفعها إلى اتخاذ إجراءات قانونية حازمة ورادعة تتمثل في إحكام قوانين الطرد في حق طالبي اللجوء الذين لهم سوابق عدلية أو يوجدون في سراح مؤقت. فإلى الآن، وبموجب القانون الألماني/ لا يسمح بطرد لاجئ إلا إذا تمت إدانته لمدة ثلاث سنوات وشريطة أن لا تكون حياته أو وضعه الصحي عرضة للخطر في بلده الأصل. وستكون لسياسة التشدد الجديدة ومراقبة الحدود انعكاسات وخيمة على اللاجئين وغير اللاجئين في مجموع المجال الأوروبي. باسم الوازع الأخلاقي تشبثت أنجيلا ميركل بقوة بسياسة «الأبواب المفتوحة»٬ لكن باسم اللاأخلاق عاتت شرذمة من المنحرفين في أعراف الضيافة وحسن الاستقبال. وبذلك نجدنا أمام حكمة المثل المغربي المأثور: «حوتة وحدة تاتخنز الشواري»!