هشام فتحي
أكيد أن الرقم الذي صرحت به وزارة التجهيز، عن الحالة الكارثية للطرق المصنفة، لم يفاجئ الكثير من البيضاويين، حين حددت نسبة تلك الطرق التي تعاني من وضعية كارثية، على المستوى الوطني، وتحتاج إلى الصيانة في 40 بالمائة، إذ إن كل من يعيش في الدار البيضاء أو يزورها بشكل دوري يكاد يجزم بأن 90 في المائة من طرق العاصمة الاقتصادية المصنفة وغير المصنفة هي في حالة يرثى لها.. وتحتاج إلى تدخل عاجل ليس للصيانة ولكن للإنشاء والتشييد من الصفر.
وما كان حقا مصدر صدمة هو تصريح إذاعي لمسؤولة بشركة الدار البيضاء للنقل حول أجل تسليم الخطين الثالث والرابع للطرامواي، بعدما حددت الموعد في مطلع سنة 2024، لأن ذلك يعني أن سكان العاصمة الاقتصادية سيعيشون سنة أخرى بالتمام والكمال من هذه الفوضى غير الخلاقة التي عاشوا تحت رحمتها، أو عذابها، منذ سنوات، ولا أحد يعرف متى ستنتهي.
التصريح الصادم يأتي بعدما أعلنت عمدة البيضاء قبل ذلك بأنها تتفهم شكايات البيضاويين من أزمة السير الناجمة عن هذه الأشغال، حيث استبشر سكان الأحياء المعنية والمدينة عموما بكلام العمدة الذي اعتقدوا أنه سيضع حدا لجحيم يومي يعيشه كل من يتحتم عليه التنقل بين هذه المحاور.. لكن هذه المواساة لم تغير من واقع الأمر شيئا، فسكان البيضاء، سواء كانوا أصحاب دراجات نارية أو سيارات أو سائقين مهنيين، تعايشوا مع الوضع وصاروا بارعين في مراوغة الحفر المنتشرة في الطرق، وحتى الراجلون من جهتهم يراوغون الأرصفة التي قلبت شركات المناولة عاليها سافلها، إلى درجة أن لا أحد من المواطنين بإمكانه المغامرة بالمشي والدندنة برائعة مارسيل خليفة «منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي» لأنه إن فعلها فقد يقع في بالوعة مفتوحة أو حفرة منسية أطول من هامته وقامته.
الأوراش لا تخص شبكات الطرامواي والباصواي فقط، بل كل الشركات التي لها شبكات تحت أرضية، سواء الهاتف أو الأنترنيت أو الماء والكهرباء، كلفت شركات مناولة لتجديد شبكاتها أو وضع أخرى جديدة، فشمل الحفر الأرصفة والطرق بشكل يكاد يكون «هيتشكوكيا» في بعض الأحيان، يتساوى في ذلك مركز المدينة وهامشها لا فرق، الأحياء الراقية ونظيرتها الشعبية.
ومن أسماء الشوارع والأحياء المعنية بالأشغال، التي أضحت نقطا سوداء، يتبين أن البيضاء ورش مفتوح إلى أجل غير مسمى، بسبب غموض تواريخ التسليم، إذ في كل مرة يخرج مسؤول من مسؤولي شركات التنمية المحلية بتصريح عن تقدم وسير الأشغال وما ينجم عنها من حوادث وارتباك في حركة السير واختناق مروري انعكس على الحالة النفسية لمستعملي الطريق، نلمسها من خلال كثرة المشاحنات التي تتطور لأتفه الأسباب إلى اشتباكات تنتهي بأقسام الشرطة.
في السنوات الماضية، كان أغلب زوار الدار البيضاء يفضلون القدوم إليها عبر وسائل النقل العمومية أو ينتظرون بسياراتهم عند مداخل المدينة أحد أفراد العائلة المضيفة ليتولى نقلهم إلى وجهتهم، كما يتكلف طيلة مدة إقامتهم بجولاتهم في المدينة، والتي تبدأ عادة من مسجد الحسن الثاني وتمتد على طول الكورنيش، حيث «المولات» الضخمة، وتعرج على المثلث الذهبي المعاريف راسين وكوتيي، لكن حاليا هذه الجولات صارت مثل كابوس للضيف والمضيف على السواء.
لا شك أن أغلب البيضاويين يمسون ويصبحون على أمنية واحدة، أن يستفيقوا من حلم مزعج طويل اسمه إصلاحات لا يعرفون متى تبدأ ولا متى ستنتهي.
حلم سكان البيضاء اليوم أن تستعيد مدينتهم رونقها وبريقها، بعد انتهاء هذه الأوراش الكبرى. لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل واحد منهم هو هل سيتحقق هذا الحلم، وتنتهي هذه المنامة على خير؟