حلم أدماه شوك الطريق
كان الجميع من حولي يتحدّث أو يستمع للآخر بإمعان.. عدا بعض النسوة الجالسات في الزاوية اليمنى من المجلس.. كُن يتحدثن جميعهن في وقت واحد.. وكنت أستغرب كيف لهن الصمود أمام هذه الموجات الصوتية القاسية على آذانهن المرهفة.. ربما يبدو أن لا آذان لهن.. وإلا لمَ يستمررن في هذه الحرب اللسانية المدعاة «هضرة النسا»..؟
يا إلهي.. كلهن غارقات عداي.. عائمة على وجه صديقتي القديمة التي ما عادت تذكر اسمها.. لكنها تشارك الآخرين مناسباتهم.. دون أن تشعر بأحد.. تجلس على طرف الكرسي بارتياب شديد.. يوحي بمعاناة مريرة عبرتها حتى أحالتها إلى أرضٍ خرِبة..
تلاقت عينانا صدفة.. ارتبكتُ.. لكنني بعفوية ودون أن أفكر.. رفعت كفي ملوحة لها.. مبتسمة لعلّها تتذكر صديقتها التي كانت تبوح لها بألمها وقلقها الطويل.. لكن عبثاً.. رفعت كفّها هي الأخرى على مضض.. قليلا.. وكأن كفها صارت ثقيلةً فجأة.. وأسفر ثغرها عن ابتسامة مترددة.. سرعان ما تلاشت كالرماد في يوم عاصف..
خشيت أن يضايقها فضولي فأشحت بنظري عنها..
رحت أنظر إلى أبعد نقطة في المجلس.. لكن بصيرتي معلقة عليها.. قلبي الذي لا يعرف أن ينسلّ عن قضايا القلب.. أجده يلاحق كل المنكوبين.. يودّ لو يهرب من قفصي الصدري ويحتضنهم.. ويمسح أدمعهم.. ويطمئنهم..
هززت رأسي وأنا أحاول أن أبدو على طبيعتي أمام الآخرين.. فتعابيري راحت تأخذ شكل الدموع..
لكنني فضولية بما يكفي لأن أشعر بأن الحياة عبارة عن رواية عظيمة.. لذا عدتُ أتأملها بحذر.. كانت تمسك كوب الشاي بيدٍ مرتعشة.. ربما كان ذلك أثراً جانبياً للأدوية التي لم تزل تتجرّعها منذ عامين..
آه يا صديقتي.. كم أتمنى لو أقوم وأحتضنك مطوّلا.. ربما كل ما تحتاجينه هو الأمان.. وملاذاً دافئاً للبكاء حتى جفاف المقل..
لكنها قامت بهدوء عميق يشبه صمت الموتى.. جرّت من ورائها حلما.. أدماه شوكُ الطريق.. راحت خطواتها تقطع المسافات.. التفتت فجأة.. ظننتها تودّ قول شَيْءٍ ما.. أو حتى أن تصرخ في وجهي لكونها ربما قد سمعت أفكاري.. لكنها نظرت بلا هدفٍ.. أو ربما نظرت إلى حلمها لتطمئن بأنه دهس بشكلٍ كامل بما يضمن لها النوم في عزلتها بسلامٍ.. دون قلق أو خوف.. واختفت عدا ظلها الذي ظلّ واقفاً يرمقني بارتياب غريب..