شوف تشوف

الافتتاحية

حكومة «هاوية»

اضطرت حكومة سعد الدين العثماني للانحناء لعاصفة احتجاجات وإضرابات التجار الصغار الذين يشكلون شريان التجارة، على خلفية محاولة فرض أحكام جديدة للنظام الضريبي المتعلق بالفوترة الإلكترونية التي أثارت الكثير من المخاوف لدى الأوساط المهنية والتجار الصغار، مما دفع الحكومة إلى اللجوء إلى قاموس التفسير والتبرير والوعد بالتعديل لنزع فتيل اشتعال أزمة اجتماعية.
ليس هذا هو القرار الأول والأخير الذي تضطر الحكومة للتراجع عنه تحت ضغط الاحتجاجات، فقد دأبت حكومتا «البيجيدي» على إصدار العديد من القرارات المتسرعة غير المدروسة، والتي تطبعها الارتجالية، وسرعان ما تكون لها تداعيات سلبية تدفعها للتراجع عنها في ظرف وجيز منذ أول صرخة احتجاج.
هذا الأسلوب في التسيير الحكومي الهاوي فجر الكثير من الأزمات المتكررة، لكن الحكومة لم تتعلم من أخطائها، لكي تمنع حدوثها مرة أخرى في أي من المجالات الحيوية.
ومن دون شك، ليس عيبا أن تتراجع الحكومة عن تطبيق النظام المعلوماتي للفوترة على فئة معينة من التجار الصغار، إذا كان الإبقاء على القرار من شأنه أن يشعل الشارع ويهدد الاستقرار الاجتماعي ويخلق حالة من التوتر نحن في غنى عنه، لكن العيب أن تعتاد الحكومة على الإعلان عن قرارات مرتبكة تجبر على التراجع عنها تحت الضغط وكأنها في مختبر والمواطنين فئران تجارب، فهذا الأمر يسيء إلى صورتها وسمعتها ويجعلها حكومة هاوية لا تستحق تفويض تدبير حاجيات 36 مليون مغربي.
ويبدو أن معضلة الحكومة التي تتسبب في اتخاذها لقرارات «مستفزة»، تكمن في غياب التجانس الحكومي واشتغال وزرائها في جزر منعزلة، في غياب تام للتنسيق بينهم رغم تضخم خطابات الالتقائية والتشاركية، وهو ما يتسبب في اتخاذ العديد من القرارات الفاشلة تؤدي بمجرد الاحتجاج عليها إلى تبادل الاتهامات داخل البيت الحكومي.
ومما لا ريب فيه أن ضعف الحس التواصلي للحكومة يساهم بدوره بشكل متكرر في خلق حالة من سوء الفهم الكبير في تنزيل القرارات، حتى لو كانت إيجابية، فلا يكفي أن يخرج رئيس الحكومة ليبعث رسائل الطمأنة للتجار الصغار، أو أن تدخل مديرية الضرائب على الخط لتصدر مذكرة توضيحية بعد فوات الأوان. فمثل قرار النظام المعلوماتي للفوترة الذي تضمنه القانون المالي للسنة الجارية، كان يتطلب قبل اعتماده وضع خطة تواصلية واسعة تستهدف المعنيين به قبل تطبيق القرار وأثناء وبعد اتخاذ القرار.
ولو أن الحكومة أخضعت نصوصها القانونية وقراراتها العمومية قبل إدخالها حيّز التطبيق لمنظومة تواصلية محكمة ولدراسات للجدوى وقياس الأثر الذي يتضمن توقع حجم التداعيات السلبية على المواطن والمستهلك، وليس فقط العائدات الإيجابية لخزينة الدولة، لما وجدنا هذا الكم الهائل من الانتقادات والاحتجاجات التي تضرب المجتمع بسبب قرارات عشوائية، ولما وجدنا هذا الكم الهائل من المشاكل التي يعانى منها المواطنون، ومن قرارات حكومتي «البيجيدي» التي تجرع المواطن الويلات بسببها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى