حكومة «مسمار الكيف»
يعجبني بنكيران لأنه سياسي يختصر الطريق ويأتيك كما يقولون «من الآخر»، ومن ذلك أنه قال لشبيبة حزبه في الملتقى الوطني الأول للشباب في العالم القروي، الذي نظم في منتجع أوريكا، إن «السياسة ليست هي أن تفعل الأشياء التي ترضي الناس وتفرحهم، بل أن تفعل الصواب الذي يدركون من بعد أنه هو الذي في مصلحتهم». وهنا أعطانا رئيس الحكومة البينة أن السياسة كما يتصورها ويطبقها هي أن تنجح في أن تكون «مسمار الكيف» الموجع والمؤلم للشعب الذي صوت عليك وأوصلك إلى السلطة بكل اختصار.
إن النقاش الدائر حاليا حول تقاعد البرلمانيين والوزراء ليس سوى الشجرة التي تخفي غابة الامتيازات والرواتب التي لا تصلها اقتطاعات الضريبة، وعلى رأسها رواتب المدربين ولاعبي كرة القدم والأطقم التقنية في الأندية والمنتخبات الوطنية.
في السياسة نسمع برواتب ومعاشات وامتيازات ما بين 3 و10 ملايين سنتيم بالنسبة للبرلمانيين والوزراء، وفي الرياضة هناك أجور من مليون حتى 60 مليون سنتيم شهريا، بدون العلاوات ومنح التوقيع على العقود، وامتيازات السكن والسيارة والطعام والسفر، وصفقات بيع اللاعبين التي تصل إلى مليار سنتيم، وكل هذا الجيش العرمرم من الرياضيين والمسيرين لا يؤدون ولا درهما واحدا رمزيا لإدارة الضرائب، ويستخلصون كل هذه الملايين وهم في حالة إعفاء تام تجاه الضريبة العامة على الدخل.
الخطير أنه حين قلل بنكيران، في ملتقى شبيبة العالم القروي، من تقاعد البرلمانيين والوزراء وما يكلفه ذلك على خزينة الدولة وصناديق التقاعد، فقد كشف أيضا أنه لا يخجل ولا ينزعج من وجود قطاعات مالية كبيرة غير خاضعة للضريبة، وبأن حكومته وطيلة 4 سنوات لم تحقق للمواطن سياسة ضريبية عادلة بين ما يقتطع لصغار الموظفين من رواتبهم، وبين رواتب تصرف تحت أشعة الشمس وبدون أدنى تحمل ضريبي، من قبيل راتب مدرب الوداد الذي يتقاضى 55 مليون سنتيم، ومدرب الرجاء 35 مليون سنتيم، ومدرب المغرب التطواني 20 مليون سنتيم، ومدرب الجيش الملكي 20 مليون سنتيم، ومدرب أولمبيك خريبكة 20 مليون سنتيم، ومدرب اتحاد طنجة 25 مليون سنتيم، ومدرب شباب الحسيمة 16 مليون سنتيم، ومدرب نهضة بركان 25 مليون سنتيم، وكل هؤلاء المدربين لا يؤدون الضريبة العامة على الدخل التي يؤديها أي مواطن مغربي على دخل مالي لا يتعدى ألف درهم شهريا.
لقد نص الظهير الشريف رقم 1.89.116 الصادر في 21 نوفمبر 1989، والذي وقعه بالعطف الوزير الأول عز الدين العراقي، والذي أحدثت بموجبه الضريبة العامة على الدخل، أن الإعفاء من هذه الضريبة يشمل «السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي والقناصل والوكلاء القنصليين الأجانب»، في وقت يطبق هذا الإعفاء منذ سنوات وضدا على القانون على الأجور الخيالية في القطاع الرياضي التي توجد به أحد أفحش الرواتب تضخما، والأخطر من ذلك أن جميع الأندية الوطنية تتلقى منحا من المال العام عبر المجالس المنتخبة والجامعة، ما يفرض مسؤولية المحاسبة في صرف هذه الأموال العمومية.
لقد قال بنكيران، في مجلس المستشارين، إنه لا ينبغي إثقال المليارديرات والمليونيرات عندنا بالضرائب «حتى يحسوا بأنهم في بلدهم وماشي عديان»، لذلك شيد سياسته على الزيادة في ثمن السكر وأسعار الماء والكهرباء ورفع الدعم عن المحروقات وجمد الزيادة في الأجور، وأوقف التشغيل ورفع الضريبة على القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية، ورفض تطبيقها على السجائر والخمور والسيارات الفاخرة والطائرات الخاصة واليخوت.. لو كانت حكومة بنكيران رواية لفيلم سينمائي لسميت باختصار «حكومة مسمار الكيف».