حكاية التلميذ أحمد
محمد بومهالي
في آخر حصةٍ من آخر يومٍ قبل عطلة منتصف السّنة الدِّراسية، سحبت رزمة النتائج من حقيبتي المندلقة كتبها على المكتب، وانتصبت أمام تلامذتي أهنئ المتفوقين منهم، وأُشجّع المتعثرين وأمطرهم بوابلٍ من نصائحَ طالما ردَّدْتُها على مسامعهم، وهم يتطلّعون إليّ متظاهرين بالخشوع وحُسْنِ الإصغاء.
ما أن أفرغت من هذه الطقوس المعتادة، حتى طفقت أنادي عليهم واحداً واحداً أسلمهم ورقة النتائج، يتسلم الواحد منهم نتيجته ويعود مسرعاً إلى مكانه يتفرّسها جيداً وأعناق رفاقه تتطاول حوله ويعم المكان نقاشٌ وحركاتٌ لا يفهمها إلاّ من قضى جُلَّ عمره في قاعات الدرس بين الصغار! غير أن هذه اللاّزمة سيكسرها هذا الصباح التلميذ أحمد، ذاك الذي يحظى عندي منذ شهرٍ تقريباً بعنايةٍ خاصّةٍ، فقد زارني أبوه، وكان فلاّحاً بسيطاً بشوشاً ليطمئن على حال اِبنه وأخلاقه وحسن سلوكه داخل الفصل، لكن المنية اختطفته فجأة بعد أن داهمته سكتة قلبية وهو في فراش النوم أياماً قليلةً بعد ذلك، فأصبح يتيما وبِتُّ أعامله لا كما أعامل رفاقه تعاطفاً مع حاله.
تسلم أحمد نتيجته، ودون أن ينبس ببنت شفة أو يلتفت لأحد، توجَّهَ رأساً صوب الباب وغادر، ليتركني ورفاقه في دهشة كبيرة! حاولت عبثا أن أجد تفسيرا لسلوك أحمد، لكن دون جدوى! توجهت بعد صمت عميق نحو رفاقه متسائلا: هل سلوك أحمد مقبول؟ فتعالى لغطهم ولم أفز منهم بجواب.
مرت العطلة وعدنا إلى الفصل، وبينما أنا أستقبل التلاميذ كالعادة في أول حصة، دقت سيدة باب القاعةِ، هرولتُ نحوها، فبادرتني: أنا أم أحمد!
صمتت برهة، سرحت أتذكر ما حدث آخر مرة لكني استطردت قائلا: مرحبا، مكين باس!
ردَّتْ: خفت أن تعاقب أحمد، فقد أخبرني رفاقه ما حدث، وجئت أخبرك ما جرى. ثم أجهشت بالبكاء، وبصعوبة أرْدَفَتْ: ما أن سَلّمْتَ المسكينَ النتيجة حتّى توجَّهَ وحده جرياً صوب مقبرة “بوعَيْشَة” البعيدة عن الدُّوار، وجلس فوق قبر أبيه يُحَدّثُهُ ويُخْبِرُهُ نتيجته.
اغرورقت عيناي بالدموع، ربتت على كتفها وقلت وأنا أحاول إخفاء حزني: لا عليك لا عليك! ودلفت القاعة وأنا أتساءل: تُرى ماذا يقول طفلٌ يتيمٌ يحمل نتيجته لأبٍ مَيِّتٍ وهو يقف على شاهد قبره.