شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

حكايات قضاة الملاعب:العربي هواض (حكم دولي للملاكمة)

قاد نزالا استعراضيا لمحمد علي كلاي بالمغرب مجانا بمساهمة من ملاكم يهودي مغربي

حسن البصري :يحفظ الجيل الثاني العلاقة الوجدانية التي جمعت الملاكم محمد علي كلاي بالمغرب، إذ زاره في مناسبتين، وهو البلد العربي الوحيد الذي زاره مرتين بعد العربية السعودية، كما يحفظ الحكم الدولي المغربي العربي هواض، في حديثه لـ «الأخبار» عن علاقة كلاي بالمغرب، الكثير من الذكريات وهو الذي أسندت له مهمة تحكيم نزال محمد علي في الملعب الشرفي بالدار البيضاء، إلى جانب رجال عايشوا الحدث عن قرب كالعضو الجامعي السابق مصطفى كندالي ورئيس جمعية قدماء نجوم الملاكمة محمد المحجوبي باعتبارهم شهودا على عصر الملاكمة الزاهي.

 

بروتوكول رسمي لاستقبال ملاكم عالمي

في صيف 1972، كان كلاي يرغب في لقاء الحسن الثاني، غير أن هذا الأخير كان قد سافر إلى فرنسا، لكن بالرغم من ذلك، حل كلاي بالدار البيضاء. كان ذلك في يوم حار وتحديدا في 29 يوليوز 1972، أي أياما قليلة بعد إبحار الحسن الثاني على متن باخرته إلى فرنسا. وهي الزيارة التي عاد منها الملك على متن طائرته، لتتعرض للقصف من قبل طيارين بقيادة أمقران وتخطيط محكم للجنرال أوفقير، فيما بات يعرف بمحاولة الانقلاب الثانية في غشت 1972.

بالنسبة لكلاي، الذي حل بمطار النواصر بالدار البيضاء، فقد وجد آنذاك في استقباله عددا من رجالات السياسة والرياضة، أبرزهم وزير الشباب والرياضة أرسلان الجديدي وعامل الدار البيضاء وعدد من الرياضيين المغاربة.. فقد كان الحسن الثاني حريصا على أن يتم استقبال محمد علي كلاي المسلم استقبال الزعماء الكبار، وهو ما تم الترتيب له فعلا، حيث حج الناس بكثرة إلى الطريق الرابطة بين المطار ووسط المدينة لتحية ضيف المغرب الكبير.

كان المغرب يعيش في هذه الفترة نوعا من الاحتقان السياسي، فقد أخبرت المخابرات الفرنسية الملك الموجود حينها في الجنوب الفرنسي بوجود تحركات في الجيش، فقرر العودة مسرعا عن طريق الجو، كي لا يعيش مأساة مشابهة لانقلاب الصخيرات، لكن اهتمام المغاربة لم يكن منصبا حول الاختناق السياسي، بل كان الجميع يعيش نشوة زيارة تاريخية لمحمد علي كلاي أسطورة الملاكمة العالمية إلى المغرب.

في صبيحة يوم الجمعة 29 يوليوز، كانت حرارة مطار «النواصر» تتجاوز 34 درجة، لكن هذا الطقس لم يحل دون تهافت مئات الرياضيين إلى المطار لتحية البطل العالمي، وكان على رأس المستقبلين عامل الدار البيضاء مولاي العربي العلوي، وأرسلان الجديدي وزير الشغل والشبيبة والرياضة، ومحمد التبر رئيس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة، والملاكم اليهودي المغربي ماكس كوهين الذي كان من مهندسي المباراة الاستعراضية لمحمد علي كلاي.

وجد رجال الدرك الملكي والفصائل الأمنية صعوبات في تدبير تنقل الملاكم الأمريكي المسلم، من المطار إلى فندق المنصور مقر إقامته، فقد وقفت حشود المواطنين على امتداد الطريق الرابط بين النواصر والدار البيضاء لتحية محمد علي الذي استقبل استقبال الزعماء السياسيين.

 

حكم مغربي في حلبة محمد علي كلاي

كان الضيف الرياضي الكبير مرفوقا، بطاقمه التقني والإداري وعلى رأسهم مدربه أنجليتو دوندي ذو الأصول الإيطالية، وبأحد منظمي المباراة الاستعراضية التي خاضها في الدار البيضاء، والمرافق الخاص جورج كونتير، لكن ملاكما يهوديا من أصول مغربية يدعى ماكس كوهين كان حاضرا كظل الضيف الكبير. علما أن كوهين خاض سنة 1961 مباريات البطولة العربية بالدار البيضاء بقميص المنتخب المغربي وحاز على ميدالية ذهبية، كادت أن تنسف التظاهرة بعد اعتراض مصر وتهديدها بالانسحاب، بدعوى إقحام المغرب ليهودي في تظاهرة عربية.

قضى كلاي أربعة أيام في المغرب، حيث حظي بحفل عشاء ترأسه ولي العهد آنذاك، الأمير سيدي محمد، كما زار محكمة حي الأحباس والمعالم التاريخية للحي، وتفقد السوق الشعبي لحي «الحبوس» حيث تعرض منتوجات الصناعة التقليدية، وتفقد أيضا الملعب الشرفي الذي احتضن المباراة الاستعراضية التي خاضها ضد ملاكم مالي مشاكس يدعى باكايوكو سونكالو. كان الهدف من المبارزة الاستعداد لمباراة قوية كانت ستجرى بعد شهر ضد الملاكم فلويد باتيرسون، والتي مكنت كلاي من المحافظة على لقب بطل الوزن الثقيل باتحاد أمريكا الشمالية للملاكمة، للسنة الثانية على التوالي. اختارت الجامعة الملكية المغربية الحكم الدولي المغربي العربي هواض لتحكيم الحدث العالمي بالرغم من طابعه الاستعراضي، بينما أسندت لحكم دولي مغربي آخر يدعى الطيب وهبي قيادة مباراة رفع الستار.

وقبل أن يخوض محمد علي كلاي النزال، قام بحصة تدريبية في غابة بالقرب من كورنيش عين الذئاب، أو ما يعرف اليوم بحديقة سندباد، قبل أن يصر على تفحص الحلبة ومكان النزال والأضواء الكاشفة.

يقول العربي وهو يستحضر هذا الحدث الرياضي التاريخي: «كان الملعب الشرفي مملوءا عن آخره، رغم أن سعر تذاكر الدرجة الأولى بلغت 400 درهم، ولكم أن تتصوروا قيمة هذا المبلغ في بداية السبعينات».

من هو خصم محمد علي في هذا النزال؟

استقر رأي المنظمين على الملاكم المالي سونكالو باكايوكو، وهو من مواليد 1944 أي أنه أصغر من كلاي بعامين، ويعد من أساطير الملاكمة الإفريقية والمالية، في الفترة ما بين 1971 و1981، حيث خاض 41 مباراة فاز في 22 مواجهة منها 19 بالضربة القاضية، وهو بطل إفريقيا في السبعينات ورجل الضربات المنهية للمواجهات.

كان هذا الطبق الفرجوي كافيا لضمان أمسية دافئة في يوم صيفي. امتلأت المدرجات وأرضية الملعب بالرغم من الطابع الاستعراضي للمواجهة، «كنت سعيدا بتعييني حكما لهذا النزال لأن تحكيم مباراة يوجد كلاي طرفا فيها لا يتأتى لأي حكم، ولأن ولي العهد آنداك الأمير سيدي محمد كان في صفوف المتفرجين، كنت أتحرك فوق الحلبة لأن كلاي كثير التحرك لا يستقر في موضع، استنادا إلى طريقته في اللعب التي تجعله يتحرك كالفراشة ويلسع كالنحلة، ولأن النزال استعراضي فقد استمتع الجمهور الحاضر بالفنيات العالية للبطلين معا، وفي نهاية الجولة الأخيرة رفعت يديهما معا للتأكيد على أن المواجهة ودية. لازلت أحمل قصاصات صحف أمريكية وهي تحمل صورتي فوق الحلبة وأنا أدير مواجهة لا تنسى».

في الوقت الذي كان الجميع ينتظر وصول ولي العهد إلى الملعب الشرفي لبدء النزال، حصل ارتباك تنظيمي، فقد تم تغيير حكمي المواجهتين إذ شرع وهبي الطيبي في الاستعداد لقيادة النزال الرئيسي بينما ذهل العربي هواض وهو يتلقى خبر التعديل.

توجه هواض إلى رئيس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة، واحتج على تغيير حكمي المواجهتين، لكن الرئيس وعده بإعادة الأمور إلى نصابها وهو ما حصل قبل بدء أول نزال، حيث قاد وهبي مباراة رفع الستار بين الملاكم اليهودي المغربي الجنسية ماكس كوهين والملاكم الأمريكي إيرني بورست، وانتهت لفائدة كوهين الذي كان مؤازرا بحناجر آلاف المغاربة.

 

صفر درهم تعويض لحكم قاد مباراة أسطورة الملاكمة

أكد الحكم الدولي العربي هواض في حديثة لـ «الأخبار» أن تحكيمه للمباراة الاستعراضية كان بشكل تطوعي، وأنه لم يتلق من الجامعة الملكية أي تعويض مالي شأنه في ذلك شأن زميله الطيب وهبي وجميع الأطر المغربية التي اشتغلت من أجل إنجاح التظاهرة.

إلى جانب هواض والطيب شارك الحكم المغربي الخطابي في تدبير هذه المواجهة الاستعراضية، وتلقى الطاقم التحكيمي المغربي التهنئة من الأطراف المشاركة، حيث أبانوا عن فهم كبير لقواعد اللعبة في مباراة لم يكن مسموحا فيها بالهفوات، وروح تطوعية عالية وتلقوا التهاني من ولي العهد المغربي.  

حصل خلاف بين منظم اللقاء الاستعراضي والتلفزيون الإسباني الذي نقل المواجهة مباشرة، حيث طالب الأول من القناة الإسبانية أداء مبالغ مالية نظير استفادتها من حقوق نقل مواجهة تاريخية، خاصة وأن نفس القناة قامت ببيع حقوق النقل لدور السينما المغربية التي حولتها إلى شريط عرض على شاشاتها ولقي إقبالا منقطع النظير، بدعم من مشروب غازي.

في مؤتمره الصحفي، كان الجميع يعتقد أن البطل سيتحدث عن المنافسات التي تنتظره، وعن سر اختيار المغرب لتحضير نزال هام، لكن خطابه كان مشبعا بالقيم الروحية، إذ تحدث محمد علي كلاي عن نفسه قائلا: «إنني ولد وحيد، لم أرتكب خطأ في حياتي، ولم أدخل السجن، ولم أقدم لمحكمة، ولم أنضم إلى جماعات متطرفة، ولا أُعير النساء البيض اللاتي يحاولن إغوائي أي اهتمام، ولا أفرض نفسي على الناس الذين لا يريدونني، وأحب الناس البيض وأحب ناسي السود وأعتقد أنه يمكنهم أن يعيشوا معا دون أن يتحرش بعضهم ببعض».

قدم وكيل أعمال محمد علي كلاي البرنامج الخاص برحلة أسطورة الملاكمة إلى المغرب ودولتين عربتين وهما الكويت، حيث خاض مباراة استعراضية ضد الملاكم لونز جونسون في حلبة النادي العربي الكويتي. كما زار المملكة العربية السعودية مرتين حيث أدى فريضة الحج.

تختلف زيارة محمد علي كلاي الثانية للمغرب سنة 1996 عن نظيرتها لسنة 1972، فقد كان الوضع السياسي مستقرا إلى حد ما، لذا حرص العاهل الحسن الثاني على وضع برنامج متنوع للضيف الكبير، خاصة وأن محمد علي كلاي حل بالمغرب من أجل مبادرات إنسانية وليس لمواجهة خصم على الحلبة كما حصل سنة 1972، بل إن الرجل لم يكن في كامل لياقته البدينة إذ أعلن قبل سنتين عن سفره أنه مصاب بداء «باركينسون» الناتج عن فشل في وظيفة الجهاز العصبي المركزي، أو ما يسمى بمرض الشلل الرعاش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى