شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

حكايات قضاة الملاعب :جون بول بوصار (حكم يهودي مغربي)

بدأ لاعبا للاتحاد الفاسي وانتهى حكما دوليا بالبطولة المغربية خلال الحقبة الاستعمارية

حسن البصري:

مقالات ذات صلة

ابن محصل الضرائب يصبح نجما رياضيا

شكل الحضور اليهودي فوق الملاعب الرياضية خلال الفترة الاستعمارية قوة كروية هائلة في المغرب، فقد كانت الإقامة العامة الفرنسية تدعم مجموعة من الفرق المحسوبة عليها، وبفضل دعمها تمكنت من السيطرة على البطولات داخل وخارج المغرب، كان الاتحاد الرياضي المغربي «الياسام» يضم في صفوفه سبعة لاعبين يهود مغاربة، أبرزهم النجم ليفي وجنين، فضلا عن مسيرين يهود من أعيان المدينة.

في كل مدينة مغربية فريق يرعاه اليهود وتدعمه الإقامة العامة، في موقع «دافينا» الخاص باليهود المغاربة، نقرأ: «كانت العلاقات في غاية الود بين المسلمين واليهود والمسيحيين، كانت أغلب الفرق تضم مجموعة لها ثلاث ديانات، وكان اليهودي بنعطار رئيس جمعية قدماء تلاميذ الرابطة اليهودية شابا يافعا يشجع على انصهار الديانات داخل بوتقة فريق، يصر على أن يخصص لكل فئة ظروف ممارسة طقوسها الدينية. يقول بنعطار: «كانت الياسام نموذجا للتعايش بين الأديان ففي ملعب الكرة تلغى الانتماءات وتصبح العقيدة الأولى هي الكرة».

ليس نادي الاتحاد الرياضي المغربي هو الفريق الوحيد الذي يضم في صفوفه لاعبين من ديانة يهودية وجنسية مغربية، بل كانت فرق عديدة تحمل نوايا التعايش بين الديانات، وفي كل ملاح برز لاعبون مهرة صنعوا مجد الكرة المغربية أو ساهموا فيه بدعم المستعمر أو برعاية مباشرة من الرابطة اليهودية.

يعد فريق الاتحاد الرياضي الفاسي صورة طبق الأصل للياسام البيضاوي، رغم أنه تأسس سنة 1915، أي سنتين بعد تأسيس الفريق البيضاوي، لكن الفرق بين الناديين أن الياسام قد تم حله ودفن تحت الأنقاض بعد استقلال المغرب، حين انسحب أغلب مسيري الفريق باعتبارهم فرنسيين، ليتم حل النادي والتحاق بعض لاعبيه بالوداد الرياضي، بينما لازال الاتحاد الفاسي حاضرا في المشهد الرياضي، كناد متعدد الفروع ويمارس فرع كرة القدم في بطولة القسم الشرفي في فاس، وفي رصيده لقبان لبطولة المغرب في الحقبة الاستعمارية.

من بين نجوم الفريق الفاسي في عهد الاستعمار الفرنسي، جون بول بوصار، هذا اللاعب المشاكس الذي حل بمدينة فاس قادما من وجدة رفقة عائلته، حيث كان والده يشغل وظيفة في الإقامة العامة بينما كانت والدته تملك مخبزة في ملاح مدينة فاس. لكن الفتى جون بول سينتهي به المطاف حكما مباشرة بعد اعتزال لعب الكرة، ويحكى أن فريق الاتحاد الفاسي قد ضم في صفوفه سيرج بيرديغو الذي سيصبح لاحقا واحدا من أقطاب الطائفة اليهودية في المغرب.

ولد جون بول بوصار في مدينة وجدة يوم 20 مارس 1923، وكان والده يشتغل في هيئة تحصيل الضرائب بالجزائر قبل أن ينتقل إلى المدينة الحدودية كموظف حكومي فرنسي، بعد أن تم احتلال المغرب عبر البوابة الشرقية. لكن ضرورة المصلحة ستفرض على بوصار الأب الانتقال إلى مدينة فاس لممارسة نفس الوظيفة، بينما استكمل ابنه جون مساره الدراسي وتمكن من التوفيق بين الكرة والدراسة، إذ تم توظيفه في مصالح الجمارك الفرنسية دون أن يتوقف عن ممارسة نشاطه الرياضي.

 

حين تحول بوصار من لاعب إلى حكم

حين داعب جون بول الكرة في الاتحاد الرياضي الفاسي تنبأ كل من تابعه بمستقبل كروي زاهر، لكن الفتى كان حريصا على معرفة جميع مهن الكرة، حيث عمل على التقرب من مدربيه لمعرفة أبجديات التدريب، ووجد متعة في حمل الصفارة ليفصل بين اللاعبين حتى في الحصص التدريبية بتكليف من مدرب الفريق. حمل جون لقب «جينو» وظل يحمل هذا اللقب على امتداد مساره الرياضي كلاعب وحكم.

حسب صحيفة «المغرب بالواضح» التي كانت تابعة للرابطة اليهودية، فإن جون بول بوصار كان معجبا باللاعب المغربي العربي بن مبارك، وكان ينتقل إلى الملعب لمتابعة فنيات هذا اللاعب، قبل أن يجد نفسه حكما في مباريات كان الجوهرة السوداء أحد نجومها.

قاد جون مجموعة من المباريات القوبة وكان بطل مباريات جمعت بين مكناس على غرار ليسطيف والرشاد المكناسي وسكك مكناس، ثم النادي المكناسي في بداية الستينات، عرف بشخصيته القوية وتنبيه اللاعبين المخالفين لقوانين اللعبة بطريقة خاصة، إذ كان يشرح طبيعة المخالفة بإسهاب، في زمن لم يكن فيه ذكر للبطاقات الصفراء والحمراء التي لم يتم اعتمادها إلا في سنة 1966، وقبل هذا التاريخ كانت القرارات الانضباطية تتم بشكل شفوي من الحكم للاعبي الفريقين.

لا تستقيم مباريات المكناسيين إلا بوجود بوصار الذي أصبح متخصصا في المواجهات بين «أهل مكناس»، وتجمع كثير من الروايات على أن الحكم جون بول كان يقضي ليلة المباراة في ضيافة صديقه الحكم الإسباني فرانكو، كما كانت تربطه علاقة صداقة مع الحكم المغربي أبو بكر الأزرق الذي سيصبح رئيسا للجنة التحكيم مباشرة بعد إنشاء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.

كان جون يمني النفس بقيادة مباراة نهائي كأس العرش، خاصة وأن عددا من الحكام الأجانب قد نالوا هذا الشرف، إلا أن الجامعة رفضت مقترحا بتعيين بوصار حكما للنهائي، وقيل إن السبب هو تواجد المولودية الوجدية في نهائيات كأس العرش بحكم ولادته في وجدة، وقيل إن تحكيم هذه الكأس يبقى حكرا على المغاربة إلا أن هذا المبرر غير صحيح بحكم إسناد تحكيم نهائي كأس العرش لسنة 1958 لحكم إسباني في شخص كور كوليس، والراجح أن ديانته اليهودية هي التي حالت دون نيل هذا الشرف.

غادر جون بول المغرب سنة 1958، حيث هاجر إلى فرنسا وأقام في مدينة كليرمون فيرون، هناك قرر استكمال مسيرته كحكم في الاتحاد الفرنسي، بعد أن أصبح مسؤولا عن حكام المستعمرات الفرنسية، وهي المهمة التي حملته إلى الجزائر والسينغال ودول أخرى، لكنه ظل يتردد على المغرب لما يربطه من علاقات ود مع مكونات الكرة المغربية وبعض نجوم المنتخب كالعربي بن مبارك وعبد الرحمن بلمحجوب. وفي الثاني من دجنبر 2011 توفي الحكم المغربي بوصار ونعته أسرة التحكيم بتأبين يليق بمكانته الرياضية والمهنية.

 

تكريم الصفارة والقفاز اليهوديين بالبيضاء

في سنة 2016 ظهر اسم الحكم بوصار من جديد، حين تقرر تكريمه بعد خمس سنوات على وفاته، في أمسية رياضية صالح فيها المغاربة تاريخهم الرياضي، خاصة الذاكرة اليهودية، من خلال استحضار تاريخ المساهمة اليهودية في انتشار الرياضة المغربية وتألقها، ووجهت جمعية قدماء نجوم الملاكمة المغربية الدعوة لعدد من اليهود المغاربة الذين مثلوا المغرب في المحافل الدولية للمشاركة في هذا الملتقى، أبرزهم الحكم الدولي دون بزل بوصار والملاكم العالمي ماكس كوهين، وعدد من الرياضيين في مختلف التخصصات الرياضية أغلبهم حملوا قميص المنتخبات الوطنية، قبل أن يرحلوا على غرار عدد كبير من اليهود المغاربة، منهم من استقر في إسرائيل ومنهم من اختار كندا أو فرنسا موطنا للاستقرار دون أن يغادر المغرب وجدانهم.

وقال محمد المحجوبي رئيس الجمعية المنظمة، إن الفكرة المنظمة بتنسيق مع المتحف اليهودي بالدار البيضاء، ترمي إلى نفض الغبار عن الذاكرة الرياضية، ورد الاعتبار لعدد من الرياضيين اليهود بالخصوص الذي أسدوا للمغرب خدمات كثيرة قبل أن يطالهم النسيان.

ويحفل تاريخ الرياضة المغربية بعدد كبير من الرياضيين اليهود الذين كانوا نجوما للرياضة في المغرب خاصة خلال الحقبة الاستعمارية وبعد الاستقلال، أبرزهم مسيرون ساهموا في تأسيس عدد من الفرق المغربية كأسرة بوطبول وبن شتريت، إضافة إلى لاعبين آخرين حملوا قميص المنتخب كابن عطار ونينو والحارس أصابان والحكم الدولي بوصار والملاكمين كوهين وبوهبوت والعداء بنعكنون واللائحة طويلة.

ناب عن بوصار ماكس كوهين وقيلت شهادات في حق حكم سكنه حب المغرب، وزين بيته بالعلم الوطني كما قالت إحدى المتدخلات. بينما تقرر توسيع دائرة التكريم بعد أن أبدى عدد من الرياضيين اليهود المغاربة استعدادهم لحضور ملتقيات مماثلة، كما تقرر توجيه الدعوة لعدد من الباحثين في التراث اليهودي، مع إصرار اللجنة المنظمة على دعم مبادرات جمع أشلاء هذه الذاكرة المنسية في كتاب يساهم فيه ما تبقى من نجوم الأمس من مسلمين ويهود ظلوا على عهد التعايش لسنوات، وهو ما تنكب عليه جمعية نجوم الملاكمة.

ومن الوجوه التي دعيت للملتقى، الملاكم العالمي المغربي الأصل ماكس كوهن، الذي كان من مهندسي الزيارة التاريخية التي قام بها الملاكم العالمي الراحل محمد علي كلاي إلى المغرب يوم 29 يوليوز 1972، والذي يقيم الآن بين تل أبيب وباريس. وقال في مداخلته إن التواجد اليهودي في الرياضة المغربية يحتاج إلى مجلدات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى