شوف تشوف

الرئيسيةخاص

حكايات أعياد أضحى ذاقها المغاربة بطعم الأحزان

يحتل عيد الأضحى مكانة خاصة بين أعياد المسلمين، ويرتبط بقصة ابراهيم عليه السلام عندما أراد التضحية بابنه اسماعيل تلبية لأمر الله. ويشكل هذا العيد إلى جانب عيد الفطر أبرز مناسبتين دينيتين عند المسلمين، بل إن المغاربة ودول المغرب العربي عامة تسميه «العيد الكبير» ما يدل على مكانته بين الأعياد.
لكن على الرغم من مكانة هذه المناسبة الدينية وطقوسها، إلا أن المغاربة حرموا منها عدة مرات، لأسباب مناخية واقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية. ومن خلال مراجعة لتاريخ المغرب المعاصر يتضح تعدد حالات الاستثناء التي صادرت حق المسلمين المغاربة في الاستمتاع بجاذبية عيد ليس ككل الأعياد.
فرضت الحروب على المغاربة القفز على العيد، فلا معنى للفرحة في ظل النكد، لا سيما وأن تجنيد عدد كبير من المغاربة ضمن الكتائب الاستعمارية والدفع بهم في الجبهات المتقدمة من الحروب في أوربا والهند الصينية، جعل الكثير منهم في خبر كان وحرم بالتالي أسرهم من نعمة العيد.
ولعب الجفاف دورا كبيرا في مصادرة العيد، خاصة حين يتحالف القحط مع الأوبئة الفتاكة التي ضربت مغرب عهد الحماية، لذا صرف أغلب أفراد الشعب، أو ما تبقى منهم، النظر عن أضحية العيد لأن الظروف المناخية والصحية أجهزت على البشر والأنعام، بل إن منع نحر الأضاحي لاعتبارات اقتصادية غالبا ما يتطلب قرارا ملكيا معززا بفتوى علماء الدين.
لعبت السياسة دورها في إبطال فرحة العيد، حين تعرض المغرب لمواقف استدعت تأجيل الفرح، خاصة حين تتزامن أحداث سياسية مع عيد الأضحى، إذ رفض كثير من المغاربة نحر الأضاحي تضامنا مع ضحايا حرب الرمال سنة 1963، أو حين طرد الجزائر آلاف المغاربة ورمى بهم نظام بن جديد على الحدود والناس تنتظر قدوم العيد.
وعاشت أسر وعائلات منفذي ومدبري الانقلابات التي شهدها المغرب في بداية السبعينات، ما يشبه القطيعة مع عيد الأضحى، بعدما نفذت أحكام الإعدام رميا بالرصاص في ليلة النحر، فأصبح العيد بلا طعم ولا رائحة.
«الأخبار» تعيد ترتيب وقائع وأحداثا عفا فيها القدر عن الخرفان وخلصها من نحر مع سبق الإصرار والترصد.

قٌتل الرجال فصدرت فتوى تبيح للنساء نحر الأضاحي
في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من سنة 1936 إلى 1939، قتل مئات المغاربة من أهالي الريف وآلاف الإسبانيين الذين جندهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو في حرب لا يعرفون أسبابها وأهدافها، لكنهم كانوا يدافعون عن لقمة عيش أسرهم، لأن التجنيد يمنحهم راتبا شهريا وخبزا وسمكا. «كنا نصلي على سيدنا محمد ونردد الأذكار قبل أن نشن الغارات، وكان الإسبان المذعورون يحاولون الفرار فور سماعهم أصواتنا»، يروي شاهد على عصر الحرب المدمرة، التي شارك فيها مغاربة قاصرون أوهمهم أتباع فرانكو بأنهم في مواجهة الشيوعيين «الكفرة»، مستغلين سذاجة المجندين، الذين لم يكونوا على علم بأنهم يقاتلون ضد حكومة دستورية مشروعة متحالفين مع الدكتاتور فرانكو.
تحالفت الحروب والجفاف والمجاعات ضد المواطن الريفي البسيط، فكانت لها عواقب وخيمة في شمال المغرب، على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بل وحتى الديمغرافي، حيث تكبد الأهالي خسائر بشرية هامة أخلت بالتوازن الديموغرافي، وهذه الخسائر تثبتها بعض الحقائق التاريخية إذ أن «الذين عبروا البحر سنوات 1936-1937-1938، لم يعد منهم إلا القليل، حاملين معهم أعطابا وإعاقات جسدية شتى، وهذا النزيف الديموغرافي هو الذي جعل بعض المداشر في الريف الشرقي لم تجد رجلا بالغا يذبح أضحية عيد الأضحى المصادف للسنة الثانية من الحرب أي عام 1937».
في ظل هذا الوضع، استصدر فقهاء المنطقة فتوى دينية يسمحون فيها للمرأة بنحر أضحية العيد «شريطة أن تكون محملة على ظهرها بابن بكر»، وهذه الفتوى شهيرة في حوليات الحرب الأهلية الإسبانية بالريف، تكشف أن غالبية رجال المنطقة جندوا في تلك الحرب ولم يبق بها سوى النساء، كما ورد في كثير من الروايات التاريخية.

حين أكل المغاربة لحم العيد بدون خبز

جاء في كتاب «آثار وانعكاسات الحرب الأهلية الاسبانية على شمال المغرب من خلال المكتوب والموروث الشفهي -الريف نموذجا، للباحث الحسين بوجدادي، أن المغاربة اضطروا لأكل لحم عيد الأضحى بدون خبز، حين «ارتبط هذا الحدث بعام الجوع، وبالضبط سنة 1941، والذي تميز بطوابير الأهالي أمام مكاتب التموين التابعة للسلطات الاستعمارية المحلية، للبحث عن دقيق الطحين لعجن الخبز، وتزامن ذلك وحلول عيد الأضحى، فقام الأهالي بنحر أضاحي العيد، إلا أنهم تناولوا وجبات الأكل من غذاء وعشاء والمتكونة أساسا من اللحم المبخر أو المطبوخ، بالملاعق الخشبية في ما يخص المرق وباليدين في ما يخص اللحم وبدون خبز. وهذا ما لا يستسيغه أهالي الريف ولهذا بقي عالقا في ذاكرتهم الجماعية».
وحسب المؤرخ الراحل جيرمان عياش فإن مجاعة عام 1945 هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ المغرب، «لم يشهد المغرب مثيلا لها منذ عهد المولى إسماعيل، إذ عانى المغاربة خلالها من استنزاف خطير للمواد الغذائية من طرف المستعمر الفرنسي لتمويل المجهود الحربي الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. وتميز عام 1945 بنقص كبير في التساقطات المطرية، لم تشهد البلاد مثيلا له منذ نصف قرن وتوالى على البلاد طقس جاف امتد على عشرة شهور اضطر معه الناس للقيام بصلاة الاستسقاء عدة مرات».
صرف أغلب المغاربة النظر عن أضحية العيد، واضطر عدد من الفلاحين إلى بيع أراضيهم بأسعار بخسة، بل هناك من باعها مقابل كمية من المواد الغذائية تسد الرمق، بل إن عددا من الإقطاعيين ورجال المخزن تراموا على أراضي هلك أصحابها جوعا. «ساق الكثير من الناس قطعانهم إلى الأسواق نظرا لقلة الكلأ وقلة الماء رغبة منهم في التخلص منها ولو بأبخس الأثمان»، حسب المصدر نفسه.
في ظل هذا الوضع المأساوي أصبح الحديث عن العيد ضربا من الجنون. وتقول رواية شفوية لأحد الناجين من عام الجوع إن شيخ القبيلة ذبح خروفا يوم العيد، ففتح تحقيق حول القضية من طرف السلطات البيطرية الاستعمارية، ومنع أفراد القبيلة من تناول أضحية في عيد «سري».

لا عيد في وجود السلطان بن عرفة

كانت أحداث الدار البيضاء وبعدها زيارة السلطان محمد الخامس لطنجة وخطابه الشهير، إيذانا ببداية عهد جديد في علاقة القصر بالسلطات الاستعمارية، حيث سيمتنع السلطان عن توقيع الظهائر، والمصادقة على قرارات الإقامة العامة. كما سيبدي بشكل علني مواقفه المساندة لسياسة الوطنيين. وقتها لم تجد سلطات الاستعمار من حل غير الاستعانة بالأعيان الموالين لها والمجتمعين وراء عميلها الكلاوي، باشا مدينة مراكش، لتقرر التخلي عن محمد بن يوسف، إذ اجتمع يوم 20 مارس 1953 بالمدينة الحمراء كل باشوات المدن المغربية الكبرى، إضافة إلى 20 قائدا، ليحرروا عريضة تسير في اتجاه سحب الشرعية الدينية عن السلطان سيدي محمد بن يوسف كإمام للمغاربة. أما البديل الذي اختارته الحماية الفرنسية، فلم يكن غير محمد بن عرفة، الذي سماه الوطنيون بالسلطان الدمية، وقاموا بعرقلة إقامة حفل عيد الأضحى، الذي تزامن مع توليه العرش، ضدا على إمامته صلاة العيد ونحر الأضحية. وظهر خلال هذه المناسبة أن ابن عرفة غير مؤهل ليكون سلطانا للمغاربة، فيما كان المصير الذي ينتظر السلطان الشرعي هو النفي إلى جزيرة كورسيكا ثم مدغشقر.
وامتنع المغاربة مرة أخرى عن نحر أضحية العيد، فعلى إثر قرار الإقامة العامة القاضي بنفي السلطان محمد الخامس في 20 غشت 1953 إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر. جاءت المبادرة من حزب الإصلاح الوطني بقيادة عبد الخالق الطريس، في المنطقة الواقعة تحت نفوذ الحماية الاسبانية، حيث قام أهالي الريف بالامتناع عن نحر أضحية عيد الأضحى، تنفيذا لبيان صادر عن الحزب و«استنكارا منهم لما أقدمت عليه القوة الاستعمارية الفرنسية، وبتواطؤ مكشوف من مجموعة من القواد والباشوات المغاربة ذوي السلطة الكبيرة في بعض المناطق وكذلك بعض شيوخ الزوايا ذوو النفوذ المذهبي الديني في كثير من المدن والقرى من أجل عزل السلطان محمد الخامس ومبايعة محمد بن عرفة». استجاب المغاربة للنداء وامتنعوا عن نحر الأضحية ومنهم من اشتراها ووزع لحمها على أبناء الشهداء وأسر المعتقلين.

شوريون يقاطعون الدم بعد معركة سوق الأربعاء
لم يكن أحد يعتقد أن الخلاف البسيط بين هيئتين سياسيتين حول أمور تنظيمية، سيصل إلى حد إراقة الدماء وإثارة الصخب في قرية هادئة بمنطقة الغرب اسمها أربعاء الغرب. وأن الحدث الدامي سيدفع الشوريين إلى الامتناع عن نحر أضاحي عيد الأضحى تضامنا مع ضحايا ماتوا بسبب صراع سياسي.
أصل الحكاية خلاف تنظيمي بين الهيئات الحاضرة في حفل لم يكن ليلزم الناس بحضوره، لأن الأمر يتعلق بزيارة العامل المحجوبي أحرضان لمنطقة ترابية تحت نفوذه، اشتعل الصراع بعد ملاسنات بين استقلاليين وشوريين كانوا يؤطرون كشافة تابعين لهذا التنظيم. يروي عبد الواحد معاش عن هذه المذبحة بكثير من التأثر «هي مذبحة كبرى حصلت بسوق أربعاء الغرب، قتل خلالها 18 شابا شوريا من الكشفية، وكنت حينها أدرس بالقرويين بفاس، كانت مذبحة مشينة مازالت موشومة في ذاكرتنا. جل من غادروا فاس، غادروها خوفا من أن يغتالوا أو يطاردوا، وهم كثيرون مثل الحاج معنينو الذي هرب وأصبح يبيع البيض في الشمال، وكان نشيد الاستقلاليين المغرب لنا لا لغيرنا يكفي لفهم الهيمنة الحزبية».
ويضيف الأمين العام للحزب الشوري، «قاطع الشوريون العيد وامتنعوا عن النحر، وكانوا يقولون ما الجدوى من استعمال السكاكين والسواطير، وقد استخدمها الاستقلاليون في معركة كشفت عمق الخلاف بين حزبين، فقد استبدل السياسيون الأقلام والحناجر بالسيوف، واختلط الحابل بالنابل حتى نسي الوافدون على سوق أربعاء الغرب أسباب الصراع الدامي الذي بدأ بتصفية العربي السفياني المسؤول عن فرع حزب الشورى الذي طالب بإنهاء فكرة الحزب الوحيد. وبالرغم من كون الإدانة لم تكن في حاجة إلى شهود أو دلائل إلا أن المحاكمة التي دامت شهورا انتهت ببراءة المدانين أمام استغراب الجميع بما فيهم هيئة الاتهام. والأغرب أن يعتقل شبان كانوا يروجون لفكرة مقاطعة العيد تضامنا مع ضحايا سوق أربعاء الغرب.
الصراع بين الغريمين التقليديين آنذاك ظهرت أعراضه أيضا حين قسم الحزبان الاستقلال والشورى العاصمة الرباط إلى قسمين، ففي استقبال الملك محمد الخامس إثر عودته من المنفى اصطف أنصار الحزب الأول على اليمين وأنصار الحزب الثاني على اليسار، وظلا يتبادلان الملاسنات.

إعدام مداهمي «مولاي بوعزة» في ليلة العيد

في صباح اليوم الثاني من نونبر 1973، أصدرت وزارة الأنباء بلاغا صحفيا حول قضية مولاي بوعزة، وكشف عن أسماء المحكوم عليهم بالإعدام بعد المحاكمة العسكرية للقنيطرة. نفذ الإعدام يوم الفاتح من نونبر 1973 في الساعة السادسة صباحا و38 دقيقة بالسجن المركزي بالقنيطرة، بحضور رئيس المحكمة ووكيل الملك ومحامي الدفاع، وهو تاريخ صادف احتفالات عيد الأضحى.
قدم البلاغ أسماء المعدمين وهم: عمر دهكون، عبد الله بن محمد، أيت لحسن، بارو مبارك، بوشعكوك محمد، حسن الإدريسي، موحا نايت بري، تفجيست لحسن، أجداني مصطفى، يونس مصطفى، أمحزون موحى، ولحاج، بيهي عبد الله الملقب بفريكس، دحمان سعيد نايت غريس، أيت زايد لحسن، حديدو موح، محمد بلحسين الملقب بـ«هوشي منه»، واختزل جريمتهم في «محاولة قلب النظام» وهي التهمة التي تكفي لوقوف أصحابها أمام القناصة.
يروي أحد أفراد عائلة موحى أمحزون، تراجيديا تلك الليلة، وقال في حوار أدرجته صحيفة ليبراسيون: «نسجت عائلات المتهمين في قضية مولاي بوعزة في ما بينها علاقات راسخة، رغم الاختلاف الثقافي، لقد بلغ خبر الإعدام للأسرة ولم نصدق وحين انتشر في ما بيننا تبين أنه حقيقة، فعم الحزن وتعالت أصوات البكاء وصرف الناس النظر عن عيد الأضحى، خاصة وأن السلطات منعت إجراء طقوس التأبين، لأن الأمر يتعلق بقتلى مغضوب عليهم».
في تلك الفترة الزمنية كان من الصعب جدا التضامن مع أشخاص حاولوا قلب النظام، لذا كان التضامن أسير العائلات المعنية بملف «مولاي بوعزة»، ونادرا ما يخرج عن محيط المدانين في القضية، خاصة وأن المخبرين كانوا يرابطون بالقرب من منازل المعتقلين لاصطياد المترددين على أسر المتهمين في الملف، لذا تركت أغلب العائلات بيوتها كي تتخلص من هذا الشبح البوليسي، ومنهم من عاش ما يشبه الإقامة الجبرية في بيته.
شكلت أحداث مولاي بوعزة التي تزامنت مع الثالث من مارس وهو يوم احتفال الشعب المغربي بعيد العرش، نقطة خلاف بين اليسار المتطرف والنظام، رغم أن الهدف من مداهمة قرية مولاي بوعزة الجبلية كان الغرض منها وضع اليد على سلاح سرية للدرك الملكي.
يقول لحسن بروكسي الذي تعامل مع هذا الملف، إن النظام تعامل مع التمرد بمقاربة عسكرية، «تم التصدي لأحداث مولاي بوعزة عسكريا، تحت أوامر الكولونيل حمو أرزاز، صهر الجنرالين الدليمي والصفريوي، انطلقت حملة تمشيط واسعة النطاق بالأطلس المتوسط، شملت بعض أعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين كانوا يتلقون الدعم من القوات الجزائرية، وشملت الاعتقالات عائلات المتهمين، وفي هذه العملية ظهر ضابط اسمه حميدو لعنيكري، مختص في الأبحاث الجنائية، وكان حديث العهد بالدرك الملكي ويعمل تحت إشراف حسني حسني الذي عينه الحسن الثاني على رأس جهاز الدرك بعد تحديثه. أبلى حميدو المنحدر من أسرة بسيطة في مكناس، البلاء الحسن وساهم في ردع انتفاضة الأطلس فلفت الأنظار بدهائه وحركيته».

فروة كبش العيد لضحايا زلزال الجزائر

بعد مرور عشر سنوات على زلزال أكادير، وتحديدا في يوم الجمعة 10 أكتوبر 1980، ضرب زلزال مدمر الجزائر، كان مركزه منطقة الأصنام وبلغ 7.3 درجات على سلم ريشتر. وصف بأعنف زلزال في تاريخ الجزائر.
كانت ضربة الزلزال على دفعتين، مما رفع عدد الضحايا وحول الجزائر إلى دولة منكوبة، فتوقفت الحياة في شرايين الأصنام، التي أصبحت اسما على مسمى، بعد أن تحولت إلى أطلال فيما هلك الآلاف تحت الأنقاض ومنهم من ظل طويلا ينتظر انتشاله من الموت في بركة الدمار والتشرد والهلع والدموع.
خلّف الزلزال آلاف القتلى ومئات الآلاف من المشردين والمعطوبين، ووصل مداه إلى العاصمة الجزائر، وتحولت المدينة إلى مخيم للناجين من الموت، مما حرك بركة التضامن الراكدة بين المغرب والجزائر، رغم أن الزلزال تزامن مع حالة الاحتقان التي عرفتها العلاقات بين الجارين ومع الجفاف الرهيب الذي ضرب القطرين.
سبق حلول عيد الأضحى بأيام قليلة، فامتنع الجزائريون عن شراء أضحية العيد، وأعلنوا الحداد، بينما قرر الملك الراحل الحسن الثاني تضامن المغرب مع الجارة الشرقية بطريقة اعتبرها الجزائريون مستفزة، خاصة إذا وضعت في سياقها التاريخي، ودعا المغاربة إلى التضامن مع الشعب الجزائري في محنته بتخصيص فروة العيد لضحايا الزلزال، أي «البطانة». سهرت السلطات المحلية آنذاك على جمع هذه «البطانيات» وتكديسها في شاحنات صغيرة كان يتواجد فيها أعوان السلطة.
رفض الشادلي بن جديد استلام «البطاين»، وقال له أفراد من حاشيته، «كيف يأكل المغاربة لحم العيد ويرسلون لنا لبطاطين»؟ وهو ما حول التضامن إلى نقطة خلاف جديدة في مسلسل الأحقاد بين البلدين.
وفي سياق التوتر بين المغرب والجزائر، سبق للملك الحسن الثاني أن منع المغاربة من الاحتفال بعيد الأضحى، سنة 1963، حين كان المغرب يعيش أزمة اقتصادية خانقة في أوج حرب الرمال التي خاضها ضد الجزائر.

أجواء عيد كئيب على الحدود المغربية الجزائرية

وصل الاحتقان المغربي الجزائري ذروته حين قرر حكام الجزائر ترحيل 75.000 مغربي مقيم بالجزائر، على خلفية ملف نزاع الصحراء. تزامنت عملية التهجير مع صبيحة عيد الأضحى، وتحديدا في 18 دجنبر 1975، خلال فترة حكم الراحل هواري بومدين.
في عيد الضحى بدأت مأساة جزء كبير من المغاربة الذين كانوا يعيشون حياتهم العادية في الجزائر، قبل أن يتحول الترحيل الإجباري إلى فاجعة، خاصة وأن من بين المرحيلن مغاربة لازالت أجسامهم تحمل جروحا وعاهات نتيجة مشاركتهم في حرب تحرير الجزائر. لم يقدم نظام هواري مبررا لإجلاء مغاربة ليلا إلى الحدود الغربية للجارة الجزائر، في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية «سوف تظل وصمة عار في جبين النظام الجزائري»، خاصة حين «تم الفصل بين الزوجة المغربية والزوج الجزائري وبين الزوج المغربي والزوجة الجزائرية، وتجريد المرحلين من كل ممتلكاتهم وأموالهم».
تقول نعيمة القراوشي، الموظفة في قطاع التعاون الوطني، إنه من المفارقات الغريبة في هذا الحدث، أن التعاون الوطني وفر خياما للمطرودين وفتح «خيرياته» بالمنطقة الشرقية لبناء المرحلين، «وبعد شهور وجدت نفسي موظفة في نفس القطاع لأن الحكومة المغربية وزعت أرباب أسر العائدين من الجزائر على مجموعة من القطاعات الحكومية كي لا يظلوا عرضة للجوع».
وتضيف نعيمة أن أكبر تحقير من طرف الجزائريين، هو إصرارهم على أن يتزامن الإجلاء مع مناسبة دينية، لذا كانت المخيمات تعيش العيد بطعم النكبة، «علم أهالي مدينة وجدة والمناطق الشرقية بما تعرضنا له من معاملات سيئة حين طردنا ليلا، ووصل الأمر في بعض الأقاليم إلى حد الاغتصاب والتجريد من الممتلكات والخروج من الجزائر بما عليهم من ملابس فقط، والتخلي عن الممتلكات والأموال».
تؤكد نعيمة أنه مهما بلغت التعويضات المالية التي طال انتظارها فإن الجريمة الإنسانية قائمة، فجمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، لن تمسح الوشم الأسود في نفوس المهجرين، «كلما حل عيد الأضحى تذكرت قطع اللحم التي كان يوزعها المقدمون والشيوخ علينا في مخيمات وجدة».
يحكي رئيس جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر ميلود الشاوش، لقناة الجزيرة، عن ذكرياته المؤلمة وهو طفل مرحل فجأة محروم من أصدقاء طفولته ومن زملائه في المدرسة ومعلميه، وهو الآن معلم للرياضيات بالمرحلة الثانوية، «الآباء والأمهات المطرودون عاشوا نكبة حقيقية وهم الآن لازالوا ينتظرون من الدولة الجزائرية الاعتذار الرسمي عما بدر منها تجاههم».

إعدام انقلابيين يوم عيد الأضحى بحضور العاهل الأردني

قرر الملك الراحل الحسن الثاني إعدام مدبري المحاولة الانقلابية للصخيرات سنة 1971 يوم عيد الأضحى، قبل أن ينسحب شهر يوليوز الحارق تم مقتل 9 جنرالات من أصل 15، إما برصاص فرقة الإعدام بمعسكر مولاي إسماعيل بالرباط، أو بتصفية من رصاص الانقلابيين.
تعامل الجنرال محمد أوفقير مع الملف بشكل استعجالي، «في اليوم الثالث من التحقيق قاد الجنرال أوفقير زملاءه الجنرالات المعتقلين إلى ثكنة مولاي إسماعيل بالرباط للإشراف على تنفيذ إعدامهم دون الحاجة إلى محاكمة. وتابع المغاربة مراسيم إعدام أبرز القيادات العسكرية في بيان بث على شاشة التلفزة والإذاعة في صباح ذات اليوم، كما حجت جماهير غفيرة بإيعاز من السلطات المحلية لمعاينة مراسيم إعدام 4 جنرالات، هم بوكرين وحبيبي وحمو ومصطفى و4 كولونيلات والكومندار إبراهيم المنوزي».
أصر الملك على أن يتم تنفيذ الإعدام في عيد الأضحى وأمام الملأ في استصغار رهيب لهيبة القيادات، رغم أن أغلب المحكومين شكلوا قوة جيش خارج للتو من معركة الرمال بنصر معنوي.
وبعد عام وتحديدا في ليلة عيد الأضحى سنة 1973، شهد حقل الرماية بضواحي هرهورة عملية إعدام منفذي ومدبري الانقلاب الذي استهدف الطائرة الملكية، حضرت عملية التصفية تشكيلات أمنية مختلفة وحرص الملك الحسن الثاني على حضور لحظات الإعدام الرهيبة وكان برفقته العاهل الأردني الملك حسين.
كانت التهم ثقيلة لكنها تتلخص في «محاولة قلب النظام»، وكان القصر حريصا على أن يقود فرقة القناصة، عبد الله القادري، الكولونيل الناجي بأعجوبة من جحيم تازمامارت بعد أن تراجع في آخر لحظة عن المشاركة في انقلاب عيد الشباب سنة 1971. في 16 غشت 1972 استُهدفت الطائرة الملكية العائدة من باريس وعلى متنها الملك الحسن الثاني وحاشيته، فتعرضت في الأجواء التطوانية لهجوم طائرات حربية. كان أغلب منفذي هذا الانقلاب منحدرين من الأوساط الشعبية. و«كانت الحصيلة إعدام 11 ضابطا من الرتب المتوسطة والصغيرة في ليلة باردة تزامنت مع عيد الأضحى. ولقي 30 عسكريا حتفهم في ظروف أشد قساوة وبطشاَ في أحضان آكل البشر، معتقل تازمامارت، رغم أن أغلبهم تجاوزوا المدد الحبسية المحكومين بها من طرف محكمة علنية. وهذا علاوة على الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب في المعتقلات

إعدام سفاحي الدار البيضاء ومصادرة الشواء

انتهت المسيرة الإجرامية لمصطفى متشوق وشريكه بوشعيب الزياني في فبراير 1978، لينهارا بعد النطق بحكم الإعدام رميا بالرصاص، وفي يوم عيد الأضحى اقتيد السفاح ومساعده إلى ساحة الإعدام ونفذ فيه الحكم قبل أن يتصاعد في الفضاء دخان شواء العيد، لكن أهالي الضحايا لم يسعدوا لحكم الإعدام، وطالبوا بقتله بنفس الطريقة المستفزة للمشاعر التي قتل بها فلذات أكبادهم، لذا أضربوا عن نحر الأضاحي بعدما تضاربت في دواخلهم مشاعر الفرح بإنهاء حكاية سفاحي الدار البيضاء، ومشاعر الألم لفقدان أطفال كان العيد يشكل لهم فرصة لممارسة شغبهم الطفولي.
عاشت مدينة الدار البيضاء في أواخر السبعينات رعبا حقيقيا، بعدما انتشر خبر سفاح العاصمة الاقتصادية المدعو مصطفى متشوق، «الرجل الذي تحول إلى مرادف للقتل لاسيما أن نشاطه انحصر في مجال الطفولة»، تناسلت الأخبار المرتبطة بسفاح الدار البيضاء، وأصبحت الأسر البيضاوية تحكم رقابتها على الأبناء والبنات وتصر على مرافقتهم إلى المدارس، بل منهم من نال عطلة استثنائية إلى حين انتهاء شبح متشوق، أما الترخيص للأطفال باللعب فأصبح من سابع المستحيلات لوجود شخص يتربص بالأبرياء ويعمل على تدبير مخططات جهنمية لخطفهم واغتصابهم ثم قتلهم في أبشع الصور، دون أن تتمكن السلطات الأمنية من القبض على سفاح الدار البيضاء.
رسم المخيال الشعبي صورا أسطورية لهذا السفاح، وتعددت الروايات التي صنعت منه بطلا لا تنفع معه كمائن البوليس، بعد أن خطط هو وشريكه، المسمى بوشعيب الزيناني، لهتك الأعراض وقتل الأبرياء بلا رحمة ولا شفقة، وصادر الابتسامة من حيا أهاليهم.
لكن الكابوس انتهى يوم الجمعة 24 فبراير 1978، حين حكمت غرفة الجنايات بإعدام السفاح ومساعده في محاكمة صاخبة عرفت حشدا كبيرا من المتتبعين، بتهمة «القتل العمد مع سبق الإصرار، وتكوين عصابة إجرامية لاختطاف الأطفال، مع نيل فديات مالية من ذويهم قبل قتلهم، ومحاولة قتل رجل شرطة وأحد أفراد القوات المساعدة». ولم تتردد الهيأة التي كان يرأسها القاضي محمد مستور، بعد المداولة في الحكم بالإعدام على سفاح الأطفال وشريكه في رفض ظروف التخفيف. قبل صدور الحكم، دل متشوق رجال الأمن على المزيد من جرائمه ضد الطفولة، وقادهم إلى مخابئ غاية في البشاعة، بينما أكد شريكه الزيناني أن تنفيذهم لهذا الرعب يرجع إلى استلهام الفكرة من فيلم شاهداه سويا في أوائل سنة 1977، بسينما المامونية، «كانت أحداثه تتناول اختطاف ابن ضابط شرطة من طرف عصابة مختصة في تهريب المخدرات، لإرغامه على إطلاق سراح زملائهم المعتقلين».

الجفاف «يعفو» على الأكباش

بدأت بوادر الجفاف في سنة 1979، وهي السنة التي عرفت ذروة الاحتقان الشعبي بسبب الحرب الدائرة في الصحراء، وحسب شهادات عبد الهادي بوطالب المستشار السابق للملك الحسن الثاني، فإن الظرفية الاقتصادية للبلاد جعلت بوطالب يقترح على الملك إلغاء عيد الأضحى، مستندا على تقرير قدمه وزير المالية يقول «إن المغرب يخسر رصيده من العملة الصعبة باستيراده فائضا من الأغنام»، وأضاف بوطالب: طالبت من الملك أن ينوب هو عن الأمة بذبح كبشين، واحد عن نفسه وثان عن الأمة، لكن الحسن الثاني رفض المقترح وسمح للمغاربة بذبح الأكباش والاستمتاع بالعيد قائلا: «دعوهم ينعمون بلحظة فرح ويأكلون الشواء. لن نحرمهم من هذه النعمة».
في شهادته على عصر الحسن الثاني قال عبد الهادي بوطالب: «في ثالث أيام عيد الأضحى، رافقت الملك الحسن الثاني في زيارته الرسمية لأمريكا. وأثناء وجودنا بواشنطن، بلغ إلى علم وزارة الدولة في الإعلام أن حمادي عمور اعتقل بسبب مسرحية حول عيد الأضحى، فأبلغت جلالة الملك بما حصل مستنكرا متأثرا، فبادر جلالته إلى إعطاء أمره بإطلاق سراحه واستقبله بالقصر الملكي ونفحه نفحة مالية جبر بها كسره وخفف من كربه».
لكن في السنة الموالية ضرب المغربَ جفاف رهيب، كان من تبعاته نفوق ما لا يحصى من رؤوس الأغنام، لذلك قرر الحسن الثاني منع العيد، «وهو الأمر الذي لم يرق عددا كبيرا من المغاربة الذين كانوا ينتظرون العيد الكبير على أحر من جمر مواقد العيد».
تقول محاضر هيئة الإنصاف والمصالحة إن البوليس السري أحرق رجلا يشغل مهام مؤذن بأحد مساجد المدينة، كان قد عارض مقترح الملك في كلميمة، وقام بنحر كلبين وتعليقهما على باب «قصر لميمة».
رغم أن شدة جفاف فترة 1980ـ 1981 أقل من سابقتها، فإن هذه السنة اكتست «طابع الخطورة» على حد تعبير عبد الله العوينة الباحث في الجغرافية المناخية، بل إن الجفاف تولدت عنه قرارات صادرة عن حكومة المعطي بوعبيد تدعو إلى التقويم الهيكلي على المستوى الاقتصادي، ما دفع إلى انتفاضات في الدار البيضاء ومدن أخرى.

عيد على إيقاع الاحتجاج
اختارت عدة جمعيات وتنسيقيات وهيئات يوم عيد الأضحى للاحتجاج، ففي الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون بالعيد ويتحلقون حول المشوي، يفضل المحتجون لفت الأنظار إلى معاناة أشخاص لا يستقيم العيد لديهم إلا إذا تحققت مطالبهم.
كانت تنسيقية المكفوفين في وجدة وغيرها من مدن المملكة، سباقة لمقاطعة «دخان» عيد الأضحى والدخول في أشكال احتجاجية تصعيدية، على ما وصفوه بـ«التمادي المجحف للمسؤولين في فرض سياسة الآذان الصماء، واستمرار نهج المماطلة والإقصاء».
إن الامتناع عن الاحتفال بطقوس عيد الأضحى، حسب المحتجين، «له دلالاته سيما وأن اليوم يوم فرحة بمناسبة دينية لها وزنها في ديننا، ولحظة للالتفات لمعاناة الآخرين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى