حقيقة انعدام كفاءة جنرالات الجزائر وهكذا تأسست فروع «المافيا»
يونس جنوحي:
هنا، يتحدث هشام عبود عن «نادي الـ11»، الذين يعتبرهم أصل مشاكل الجزائر، ومحركي أحداث التسعينيات. فبعد أن اشتعل الشارع الجزائري في أكتوبر 1988، ارتفع إيقاع عمل «مافيا الجنرالات». وبفضل طريقة اشتغال هذه العصابة التي حاكمها الحراك الجزائري الأخير، استطاعت أن توفر إمكانيات مالية ضخمة لتمويل عمليات القمع في الشوارع، بفضل أموال البترول، وأيضا وفرت لنفسها غطاء سياسيا متينا بحكم أن رموزها يتحكمون في القصر الرئاسي ولديهم أذرع طويلة جدا داخل دهاليزه.
الأراجيف
بدأ هشام عبود في تشريح شخصية خالد نزار، واتهمه صراحة بالكذب على الجزائريين، إذ عاد إلى أقوال خالد نزار في ما يشبه مذكرات تناول فيها حياته أثناء حديثه إلى الصحافة الجزائرية والفرنسية، حيث تحدث عن طريقة التحاقه بالجيش الفرنسي، وعن «بطولاته» مع فرنسا خلال خمسينيات القرن الماضي، قبل أن يلتحق بالجزائر ويصبح من الضباط الذين عايشوا مرحلة ولادة البلاد تحت قيادة أحمد بن بلة، ثم مع الهواري بومدين الذي أرسل بن بلة إلى السجن لمدة 15 سنة قبل أن يُطلق سراحه.
لكن ما لم يكن خالد نزار يريد للجزائريين أن يعرفوه عنه، أنه كان منبوذا داخل الجيش الجزائري عندما كان قياديون كبار من الضباط والجنرالات المخضرمين الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية في الجيش الفرنسي. فقد سبق أن تم استبعاده من صفوف مجندي الـALN، نظرا لعدم خبرته وضعف لياقته. لكنه في سنة 1990 سوف يصبح وزيرا للدفاع!
ومن الأكاذيب التي روجها خالد نزار عن نفسه، أنه تحدث للصحافة عن بطولات وهمية، كان هو خارج «مربع العمليات» عندما وقعت تلك الأحداث، خصوصا التي قادت إلى استقلال الجزائر سنة 1963. لكنه بعد أن أصبح على قمة المشهد السياسي والعسكري في الجزائر مع مطلع التسعينيات، قام بتزوير التاريخ وعمم تصريحاته على الصحافة لكي يؤسس أسطورة لم يستطع أحد من الذين عاشوا الأحداث الحقيقية تكذيبها خوفا من الانتقام.
وما أدراك ما «بلخير»
يقول هشام عبود وهو يستهل الحديث عن العربي بلخير، أحد وجوه النظام الجزائري الأكثر إثارة للجدل كلما أثير الحديث عن العُشرية السوداء والاغتيالات والقمع: «العربي بلخير، هذا الذي ينفي دائما أنه جزء من نادي مُتخذي القرار أو عضو في أي فريق أو تجمع كيف ما كان، هو في الحقيقة رجل من الرجال الأساسيين في المافيا. أبوه كان «قايد»، وُلد في «فريندة» غرب الجزائر سنة 1937. إنه واحد من أبناء الجيش القدامى، حيث التحق بـALN (جيش التحرير الوطني) سنة 1958 مثل رفاقه القدامى الذين مروا جميعا من قاعدة FLN بتونس».
كان دائما هناك أمر مشترك بين أفراد «المافيا» التي حكمت الجزائر بعد أن سيطرت على الجيش. وهو الانتماء إلى جيل الشباب الذين فتحوا أعينهم على معركة الاستقلال، رغم أنهم لم يدفعوا أي ثمن مقابل استقلال الجزائر. والدليل أنهم كانوا مجرد ضباط صغار لم يتنبأ لهم أحد بأي مستقبل نهائيا لا في المؤسسة العسكرية ولا خارجها. فقد كان مستواهم التعليمي متواضعا جدا. حيث إن الهواري بومدين عندما كان يضع أسس وزارة الدفاع سنة 1963 اعتمد على أسماء تلقت تكوينا علميا رصينا ومتينا لكي يؤسس بهم انطلاقة المؤسسة العسكرية الجزائرية ويربط بفضلهم علاقات مع وزارات الدفاع التابعة للدول الكبرى، خصوصا مع الاتحاد السوفياتي. ولم تكن أسماء «المافيا»، الذين حددهم هشام عبود في 11 اسما، واردة في ذلك الوقت نهائيا.
ملف الحدود التونسية
على عكس الفريق الذي اعتمد عليه الجيش الجزائري لتأسيس البلاد سنة 1963 والذين كانوا جميعا تقريبا من فريق جيش التحرير الجزائري الذين اشتغلوا في وجدة المغربية ومارسوا النضال لاستقلال الجزائر من التراب المغربي، فإن جيل «المافيا» الذي وجد الغنائم متناثرة أمامه مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، فقد كانوا جميعا من الفرق العسكرية الصغيرة جدا عديمة الموهبة، ممن تكونوا على الحدود بين الجزائر وتونس. وأعضاء هذا الفريق بالذات كانوا من المقربين من المافيا وتم الاعتماد عليهم لقيادة المناطق العسكرية التابعة للجنرال بلخير، وبقية فروع وزارة الدفاع، والمناصب الحكومية التي أصبحت لأول مرة تمنح لشخصيات عسكرية لا علاقة لها نهائيا بالعمل الإداري والمكتبي.
بالنسبة لهشام عبود، الذي اشتغل في قسم التواصل داخل مؤسسة وزارة الدفاع، ثم أصبح مكلفا ومديرا لمكتب أهم الجنرالات، فإنه يستطيع أن يؤكد أكثر من أي شخص آخر، أن الجنرالات والنخبة التي أصبحت محيطة بهم سنوات التسعينيات، كانوا عاجزين تماما عن ممارسة أي عمل إداري أو مكتبي من أي نوع.