شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

حقوق الترجمة بين النفي والتأكيد

 

مقالات ذات صلة

هل يمكن فعلا أن نتحدّث عن حقوق المترجمين في العالم العربي؟

الترجمة من بين أهم القضايا التي تشغل العرب اليوم. فدور النشر كاملة تسعى إلى كسب ود المترجمين، لكن هل المترجم يحظى بكامل الرعاية والاهتمام وضمان الحقوق، أم أن الناشر «يشرب الخمرة في جمجمة المؤلفين والمترجمين» معا، حسب تعبير فيكتور هيغو.

محمد ساري: دور النشر تسعى إلى كسب ود المترجمين

 

يرى الروائي والمترجم الجزائري محمد ساري أن الترجمة في الوطن العربي، ومعها حقوق المترجمين، تعيش وضعا متأزما بسبب أزمة الكتاب نفسه. لا رواج للكتاب المترجم بلا رواج للكتاب عموما. للكتاب سوق يدر أموالا على الناشرين والكتاب عموما، وفي الغرب هناك عدد لا بأس به من الكتاب يعيشون بإيرادات كتبهم. والمترجمون كذلك. وينتقل ساري إلى الحديث عن تجربته الخاصة في اللقاء ببعض هؤلاء المترجمين في المعهد العالمي للترجمة الأدبية بـ«آرل» في فرنسا، وهم يتخذون من الترجمة الأدبية، وترجمات الكتب عموما، مهنة أساسية. ولهم عقود دائمة مع الناشرين، ويترجمون من أربعة إلى خمسة كتب في السنة. وأسعار ترجمة الصفحة الواحدة معلومة، ولكن أغلب المترجمين الأدبيين هم أساتذة يشتغلون في مؤسسات جامعية، تضمن لهم أجرة شهرية. وتأتي الترجمة عاملا إضافيا. فيحدث لمترجم أن تشتهر ترجمة وتباع بمئات، وربما بآلاف النسخ، عندئذ، يكون المترجم محظوظا ويدخل عالم الثراء، كمترجم هاري بوتر وروايات ستيفان كينغ وغيرها. ومع ذلك، فالمؤسسات العمومية تقدم إعانات كثيرة للترجمة، بدفع حقوق المترجم، وإعطاء منح إقامة للمترجمين، ومعهد CITL بآرل بجنوب فرنسا، يوفر حوالي 15 غرفة للإقامة الدائمة للمترجمين الممنوحين أو غير الممنوحين.

ويؤكد محمد ساري أن الإعانة موجودة في بلدان يروج فيها سوق الكتاب وتعوّض المبيعات مصاريف شراء حق الترجمة وحقوق المترجم وصناعة الكتاب.

 

حقوق المترجم في العالم العربي

 

أماّ في الوطن العربي عموما، يضيف محمد ساري، فإن سوق الكتاب لا يسمح أبدا، إلا في استثناءات نادرة جدا وغير دائمة، لكاتب ليعيش بإرادات كتبه. أسباب ذلك متعددة ومعروفة وأهمها ضعف الاقتصاد عموما ومعه القدرة الشرائية للمواطن العربي، بحيث لا يمكن أن يشتري الكتاب بشكل دوري، لتدعيم سوق الكتاب. والكتاب المترجم هو الحلقة الضعيفة جدا بسبب زيادة المصاريف التي ترفع من سعر الكتاب. ولهذا السبب، قل ما نجد ناشرا يبادر إلى ترجمة كتاب دون مساعدة مالية من المؤسسات العمومية. المؤسف أننا نجد كثيرا من المترجمين، الشغوفين بالترجمة، وعندنا أمثال الدكتور المترجم أبو العيد دودو، رحمه الله، كان يبادر إلى ترجمة كتب تعجبه، ويقدّمها إلى الناشرين دون أن يتناول مقابلها دينارا واحدا، مثلما حدث له مع ترجمته للحمار الذهبي للقيوس أبوليوس، وقد اجتهد فيه لسنوات، وعاد إلى النسخ الألمانية واللاتينية والفرنسية، وتعتبر ترجمة كاملة وجيدة برأي كثير من النقاد والكتاب.

المؤسسات العمومية في الجزائر كوزارة الثقافة قدّمت إعانات للترجمة ولكنها إعانات مرحلية مرتبطة بمناسبات وطنية، كما فعلت في «الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011» ولكنها لا تلبي حاجات الترجمة التي يحتاجها الواقع الثقافي والأدبي في عمومه. حتى وإن كانت حقوق الترجمة محترمة، إلا أنها يتيمة، وتحدث مرة في الدهر، ولا تساعد المترجم على امتهان هذه المهنة بشكل دائم.

وينهي ساري حديثه بالإشارة إلى مبادرات ظهرت مؤخرا في العالم العربي، وتجلت، في السنوات الأخيرة، في ظهور بعض المؤسسات الخليجية تدعّم فعل الترجمة وتقدم حقوق المترجمين ومع ذلك فإنّها قليلة، إذا ما قورنت بحاجة المجتمع العربي في ترجمة الثقافة العالمية عموما، ولا يمكن للترجمة أن تتحوّل إلى مهنة دائمة، يرتزق بها عدد كبير من أصحابها مثلما هو حاصل في البلدان الأوروبية.

 

شكير نصر الدين: لا يمكن الاطمئنان للوضع الحالي

 

أكد الناقد والمترجم شكير نصر الدين أنه وفق قانون المصنفات الفكریة، یعیش المترجم في جوار المؤلف.

ولعل في هذه المجاورة ما یدل على صلة القرابة بینهما. یمكن الاطمئنان إلى مثل هذا الوضع، تحت سماوات یتمتع فیها كل منهما بحقوقه القانونیة والمالیة ووضعه الاعتباري.

لكن إذا كان المؤلف عندنا، رغم أنف القوانین، یكابد قصد إثبات الحد الأدنى من حقوقه، فإن المترجم لا یعیش بجواره ولا في ظله، إذ هما معا یعیشان تحت رحمة الناشر.

ويضيف شكير قائلاً: «شخصیا لا أستحب نبرة الشكوى في مجال الكتابة عموما عندنا، لكن الحقیقة أن هناك إكراهات تفسر الفرار إلى دور نشر عربیة لأن الناشر المغربي یهتم بالكتاب المدرسي، أو یهضم حقوق المترجم بیسر لا یرف له معه جفن، أو یشرط الدعم ولا یُظهر للمترجم إلا الفتات، فضلا عن إعادة طبع الكتاب المترجم متى وقدر ما شاء. والحال أن الهجرة إلى المشرق لم تكن میسّرة للمترجمین المغاربة،

بل إن وضعهم الرمزي هو الذي شرع لهم أبواب الدور المشرقیة لما تتمتع به الترجمات المغربیة من سمعة طيبة، بل ولاحتلالها منزلة الریادة منذ ثمانینات القرن الماضي».

وعن القول بأن استقبال الترجمات المغربیة لا یقابل بالترحاب المادي الجدیر بها، حیث تعوّد كثیر من الناشرین العرب على التزود من المغرب بنصوص مترجمة ونشرها دون الوفاء بوعود معسولة شفویة ضربوها للمترجمین المغاربة، يقول نصر الدين إنه حدث أن وقع، مثل كثیرین لا ریب، ضحیة هذا الجشع عند التعامل مع دار التكوین للنشر (سوریا) دون عقد مكتوب مكتفیا بكلام منمق، إذ من جهته كمترجم صدق أن «الرجل هو الكلمة» كما نقول في المغرب، لكن بالنسبة للناشر، فتلك عملة رائجة، حیث نشَر ترجمته لكتاب جیرم روجي «النقد الأدبي» ثم ماطل في تسدید المقابل المادي الذي لم یتجاوز 3000 درهم، وبعد احتجاجه علیه تذرع بأن الأوضاع المالیة لا تسمح بأكثر، والأدهى أنه ذكر له بالاسم، من باب الحجة الواهیة، من قَبِل المبلغ نفسه بل وأقل منه نظیر ترجمته. هنا عرف المترجم أن العیب في من یبخس عمله ویجعل الناشرین في حل من كل عقد، سواء كان مكتوبا أو شفویا یحترم كرامة المترجم. والحال أن العقد شریعة المتعاقدین. لكن من حسن الحظ أن تلك كانت هي الحالة الوحیدة التي أحس فیها بالغبن وعلى الأخص بالحنق.

إبراهيم أولحيان: المترجم بقرة حلوب

 

يقول إبراهيم أولحيان إنه إذا كان المؤلف یعاني الویلات مع النشر، حین انتهائه من إنجاز كتابه، فإن المترجم هو الآخر یتكبد صعابا كثیرة من أجل نشر ترجمته، باعتبارها الابن المتبنى الذي تحتم علیه الأخلاق أن یدافع عنه.

وبالإضافة إلى كل الجهود المبذولة من أجل ترجمة كتاب، وإیصاله إلى القارئ العربي، فهناك عقبة أمام المترجم، ألا وهي نشر الكتاب المترجم وتوزیعه بأحسن طریقة.

ويضيف أولحيان قائلاً: «باعتباري خضت هذه التجربة، سواء على مستوى الكتابة (تألیف كتب نقدیة)، أو على مستوى الترجمة، سواء داخل المغرب أو خارجه، فإنني مثل زملائي عانیت الأمرین في نشر ترجماتي، وهذه العملية بالنسبة لي، لم تتم مباشرة مع مؤسسات، بل كانت تمر عبر وساطة الأصدقاء المتتبعين، الذين يتدخلون لإنقاذ هذا الكتاب/ الترجمة.

ويضيف مترجم «النقد الأدبي» لآن موريل، «لقد مررت بتجربتین في مجال نشر الترجمات: الأولى حین أرسلت إحدى الترجمات إلى المركز القومي للترجمة بمصر، مع صدیقي المرحوم دنیس جونسون دیفیز، وتولاها بعنایته حتى صدرت، وتوصلت بعقد یوضح كل شيء مادیا ومعنویا، وقد مر الأمر بشكل جید، وكما هو متفق علیه في العقد.

الثانیة، وهي أنك تنشر الكتاب بدون أي عقد، ومقابل عدد ضئیل من النسخ، لا یكفیك لما ستهدیه لأصدقائك، على أن تتم محاسبتك على رأس كل سنة، إلا أن موعد الحساب لا یأتي أبدا، أمام كثیر من المراوغات والحیل للتملص من دفع حقوق المترجم. لذلك فنادرا ما نجد مغربیا یعتمد في عیشه على

الكتابة والترجمة. وقد فطنت كثیر من دور النشر المشرقیة لهذه المحنة عند المغاربة، فبادرت إلى تشجیعهم على النشر في إحدى دورها، لكن النتائج في أغلب الأحیان تكون كارثیة، حیث أن المترجم  قد یعاني حتى من أجل رؤیة نسخة من كتابه، فما بالك عن تسدید حقوق ترجمته».

ويستخلص أن تجربة المؤسسات الحكومیة، والمنظمات العربیة الخاصة بالترجمة، قدمت جهودا جبارة وناجحة في ضمان حقوق المترجم، عكس دور النشر الخاصة التي ترى في المترجم بقرة حلوبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى