شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

حفاة على صهوة المجد

تركت صورة طفل مشارك في مسابقة للعدو الريفي بتامسنا، وجعا غائرا في أعماقنا، لقيت صورته رواجا كبيرا، وهو يصر على الركض بحذاء رياضي خضع للترميم الاضطراري وفي ظروف تباري صعبة، بعد أن لف قدميه بقطعة بلاستيكية وأقمشة وأعلن نفسه مشاركا في المسابقة رغم أنف الحذاء.

كثير من الأطفال والشبان يعدون في مضامير السباق بأقدام حافية، لكن لا أحد ينتبه إليهم، منهم من يملك حذاء رياضيا لكنه يجد نفسه أكثر جاهزية حين يركض حافي القدمين، حيث يجيد التحكم في قدميه بالرغم من مصاعب المدار المترب.

عبر الطفل عن رغبته في أن يصبح يوما بطلا عالميا في ألعاب القوى، يضاهي سفيان البقالي الذي خرج بدوره من رحم المعاناة قبل أن يركب صهوة المجد، تفاعل المغاربة مع طفل يلاحق أحلامه فتى تسكنه رغبة الجري نحو منصات التتويج بقدمين حافيتين وقلب بتعبئة حلم مضاعفة.

اليوم يتبين أن ألعاب القوى رياضة الفقراء وأم الألعاب، لا تحتاج إلا لأقدام تجيد التهام المسافات وقلب تسكنه الطموحات. لقد كان كثير من أبطالنا يركضون حفاة فوق التربة الصلبة وفي الأوحال. وحين صعدوا في سلاليم الوجاهة الرياضية تمنوا لو سمح لهم بخوض المسابقات الرسمية بأقدام حافية والتخلص من حذاء رياضي يثقل ممشاهم وركضهم.

لفت العداء الإثيوبي أبيبي بيكيلا، أنظار العالم حين ظل يجري حافي القدمين وكأنه في سهوب بلاده يركض في الأدغال، فاز في ماراطون دورة روما 1960، كان يسير بهدوء حتى وصفته الصحافة الإيطالية بـ «السائح الإثيوبي» وهو يخترق شوارع العاصمة الإيطالية مكتشفا روما القديمة وحاصدا الانتصار ومحطما الرقم القياسي للماراطون. وحين وصل خط النهاية حافي القدمين، قال إن الأحذية الرياضية لا تريحه، والجري من دونها أسهل.

في زمن بالأبيض والأسود، كان العداء المغربي عبد السلام الراضي يركض حافي القدمين، وحين اشتد عوده أجبر على ارتداء حذاء رياضي، فلبسه على مضض، لكنه كان يتخلص منه بمجرد اختراق خط الوصول. حين اعتزل هذا العداء الأسطوري الركض أصبح «شاوشا» في عمالة فاس يقضي وقته في إعداد الشاي لضيوف العامل، إلى أن أسقط المرض كل إنجازاته، فاضطرت زوجته إلى بيع ميدالياته لتاجر يبيع التحف، من أجل اقتناء الدواء.

مات الراضي وتبين أن كثيرا من القائمين على الرياضة، حفاة القلوب يغتنون من الرياضة ومن عرق الرياضيين، ويمشون في جنائزهم بعد أن يستعيروا تقاسيم الحزن وأقنعة الألم. ليس الراضي هو البطل الوحيد الذي ركض حافي القدمين وانتهى به المطاف أمام مسؤولين حفاة المشاعر، فهناك الكثير من لاعبي كرة القدم والعدو الريفي وكرة القدم المصغرة لم يرتدوا أحذية رياضية، واكتفوا بصندل «حلومة» رفيقة البسطاء في طفولتهم.

لنضع ثقتنا في المستقبل، ونعيد قراءة سيرة الأبطال الحفاة للعبرة، سنقف على حقائق مذهلة، لقد ركض هشام الكروج حافي القدمين في طفولته وحين ركب صهوة المجد أصبح مستثمرا في أشهر علامة تجارية للأحذية الرياضية والمتاع الرياضي. يا للصدف الماكرة.

نعود إلى واقعة عداء تامسنا، لنسائل المنظمين عن دور جمعية الآباء التي تملك خزينة يضخ فيها أولياء أمور التلاميذ مبالغ مالية سنوية، يفترض أن يخصص جزء منها للقطع مع الحفاة، بدل رصدها في ترميم المراحيض.

واقعة هذا العداء الصغير تسائل أيضا القائمين على الرياضة المدرسية، التي تملك ما يكفي من مال لينعم الأطفال بأحذية تقيهم قساوة المضمار.

في كل قرية وحي هامشي عشرات الأطفال الحفاة الذين يلعبون الكرة دون الحاجة إلى أحذية، وعشرات العدائين الذين يمشون منتصبي القامات مرفوعي الهامات حفاة الأقدام.

إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.

حسن البصري 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى