حسن فرج: «وجدت عقودا لوالدي مع مدير المؤسسة الائتمانية «SFM» تعود لسنة 1974»
بالنسبة لزواج الدكتور قنيدل بهذه السيدة التي تقول إنها كانت تعمل في الخارجية الروسية.. تكلمت عنه وكأنه وقع بالصدفة.. ألم يكن الأمر مرتبا مثلا؟
هي كانت تعمل في سفارة روسيا في برلين، والتقيناها بشكل عفوي في أحد الفنادق، كما قلت لك، ليلة احتفالات رأس السنة لأنها كانت وحيدة، وتبدو من نخبة المجتمع وليست كالنساء اللواتي يبدو من مظهرهن وكأنهن يبحثن عن شريك لتلك الليلة. لذلك أقول إن الأمر كان عفويا وغير مرتب له أبدا، لأنني أنا من بادرت إلى دعوتها للجلوس وليس أحدا آخر. أما قرار الزواج بعد شهر واحد من ذلك اللقاء، فقد لعب فيه التواصل السريع الذي وقع بينهما في ما بعد، والتوافق الفوري، دورا كبيرا.
رغم الغموض الذي كان يحيط بشخصية الدكتور قنيدل فإنه كان عفويا في مسألة الارتباط. لا أرى أي داع للاعتقاد بأن الأمر كان مرتبا، لأني كنت مقربا من علاقتهما، وزرتهما في مناسبات كثيرة في هنغاريا. وعلى كل حال فإن زواجهما لم يستمر طويلا، رغم أنه كان متحمسا في البداية، وقرر بسهولة أن يطلب الإعفاء من عمله في السفارة مضحيا بسنوات طويلة جدا من العمل، ويترك خلفه كل شيء في برلين ويبدأ معها من جديد.
- هل نفهم من هذا الكلام أن قنيدل لم يعد يتابعك؟
لا بالعكس، بقيت علاقتنا وطيدة. يجب أن أشير إلى أن تلك الفترة كانت القمة في التواصل بيني وبينه، وحلت بيننا ثقة كبيرة ما دمت أصبحت أعرف أشياء كثيرة عن حياته الخاصة. حتى أنه دعاني للانتقال إلى هنغاريا أيضا وبترحيب خاص من زوجته، لكني لم أرد أن أذهب إلى هناك.
- والسبب؟
المكان الذي انتقلا إليه هادئ جدا، وطبيعة الحياة التي اختارا أن يعيشاها تليق بالمتقاعدين وليس بشاب في بداية العشرينات، عليه أن يثبت وجوده وينجح في حياته الخاصة. لذلك اعتذرت منهما، ووعدتهما أن أواظب على زيارتهما. لقد اشترى مسكنا في بلدة صغيرة اسمها «ماربيرا»، ولم يكن عدد السكان هناك يتجاوز الثلاثمائة نسمة. هذه القرية الصغيرة كانت قريبة جدا من الحدود مع النمسا، وإيطاليا أيضا، أي أن موقعها كان استراتيجيا، وتشهد رواجا سياحيا..
- هو من اشترى المسكن؟
نعم، لكي يعيشا فيه، وشاركا معا في تسيير المتجر الذي اختارا أن يعيشا حياتهما الجديدة للعمل فيه. بدا لي خلال أول زيارة قمت بها إلى هناك في إحدى العطل، أنهما يعيشان حياة سعيدة، وكانا وقتها حديثي عهد بالانتقال إلى هنغاريا. وسرعان ما نمت بيني وزوجته علاقة وطيدة، أزعجته كثيرا. لقد حكى لها بطبيعة الحال عن زواجه السابق من سيدة مغربية، ووجود ابنين لهما، يعيشان معها في كندا.. ولم يكن الأمر يخلق لهما أي مشكل في زواجهما، لكن ما كان يزعج الدكتور قنيدل هو ما كانت تقوله زوجته الروسية بشأني، ومفاده أنها لا تعترف بأولاده وتعتبرني أنا ابنه الوحيد.
كانت تقولها مرارا في حضوره، وتخبره أنني ابنهما الوحيد الآن، وكان يبدو عليه انزعاج من الأمر. ليس لغيرة على أبنائه الذين لم يرهم منذ سنوات طويلة جدا لم يغادر خلالها ألمانيا، ولكن لأنه لم يكن يريد لزوجته أن تتواصل معي كثيرا.
- قلت إن زواجهما لم يعمر طويلا. هل للأمر علاقة بقضيتك؟
زواجهما لم يعمر طويلا لأن قنيدل تسرع في الارتباط بها، واكتشف خلال الأسابيع الأولى أن اختياره لم يكن موفقا. أتحدث عن اختياره لنمط العيش والمكان الذي انتقل إليه وليس في اختيار زوجته، فقد كانت سيدة طيبة. اكتشف أنه لا يصلح للجلوس في مكان هادئ طيلة اليوم وتسيير متجر في قرية صغيرة قرب حدود هنغاريا مع النمسا. هذا الأمر جعله يتوتر وتبدأ المشاكل بينهما. اتصلت بي في إحدى المرات وكانت مرعوبة، وأخذ منها السماعة قبل أن تكمل كلامها معي. قالت لي إنها مرعوبة من الكلام الذي يقوله لها.
- هل كان كلاما بخصوصك أو بشأن ماكان يسألك عنه أو الشكوك التي كانت تراودك عنه؟
للأسف لم أجد أي خيط يوصلني إليها حتى أتبين منها ما وقع. لقد كانت تتصل بي عندما كان معها ولم يترك لها الفرصة في آخر مرة لتقول لي ما يرعبها بالضبط. اتصل بي هو في ما بعد وأخبرني أنهما تطلقا، وعاد إلى ألمانيا ليسكن معي. عاد بعد أن خسر كل شيء، بما في ذلك امتيازات عمله في السفارة التي غادرها إلى الأبد، وهكذا أصبح يعيش داخل دوامة من المتاعب المادية، وكان علي أن أساعده، ولم أتخل عنه، وبقينا على اتصال ودخلنا المغرب لاحقا، في السنة نفسها، أي 2007، في وقت متقارب.
- قبل أن نصل إلى دخولك إلى المغرب.. في ألمانيا قررت أن تبدأ من جديد، لكن يبدو أنك لم تحقق شيئا.. صحيح؟
وجدت صعوبات كثيرة، ليس بسبب الدكتور قنيدل، وإنما بسبب طبيعة العيش في أوربا، واقتنعت بأنه يتعين علي الدخول إلى المغرب للاستثمار، ما دامت الأمور معقدة في ألمانيا. لقد كان الدكتور قنيدل وصديقي رشيد الحرشي يتابعان رغبتي في إقامة مشروع خاص في ألمانيا، لكني أحسست أنه يتعين علي الدخول إلى المغرب للعمل، وأتنقل إلى ألمانيا بين الفينة والأخرى، وبقيت مطمئنا وقتها إلى أنني على الأقل أملك شقة في برلين. هكذا جاءت فكرة دخولي إلى المغرب في مارس 2007.
- قبل ذلك. ألم يتصل بك أحد بخصوص مشكل الإرث في المغرب طوال فترة مقامك بألمانيا؟
اتصالات عادية، لا تحمل أي جديد أو تطورات في الموضوع. اتصالات في الأغلب من والدتي للاطمئنان عليّ في فترات متباعدة، نظرا لأن علاقتي بها تضررت كثيرا بسبب إخفائها لأمر الوصية والصندوق الحديدي.
- أريد أن أسألك بخصوص السيد بارزيلاي.. هو الذي أخبرك بأمر التحويل المالي لحسابك في بنك «UBS» بسويسرا، وبفضل ذلك المال بدأت حياتك في ألمانيا أنت ومعك الدكتور قنيدل..
(مقاطعا) علاقة السيد بارزيلاي بعائلتنا قديمة جدا، لقد وجدت أخيرا بعض الأوراق التي توثق لتعاقدات بينه ووالدي عبد الفتاح فرج، تعود إلى سنة 1974. بطبيعة الحال فإن السيد جوزيف بارزيلاي يعد أول من ترأس «Societe Fiduciaire Du Maroc» (المؤسسة الائتمانية). ناهيك عن الصداقة التي تجمعه بأبي وأمي بعيدا عن التعاقدات وأجواء المكاتب.. أقول لك هذا الأمر لأشرح كيف أنني لم أشغل نفسي طويلا في البحث عن الدور الذي لعبه في حصولي على المال، خصوصا وأنه أنكر كل شيء بعد يوم واحد فقط من تحويل الأموال باسمي.
- ما مضمون الأوراق التي تتحدث عنها؟
عقود للبيع والشراء بينهما.. والدي باعتباره مديرا للكتابة الخاصة للملك الحسن الثاني، والسيد بارزيلاي باعتباره مديرا لـ»SFM».
«بارزيلاي» ومولاي عبد الله العلمي كلاهما كان مقربا من عبد الفتاح فرج قيد حياته، ولذلك اختارهما لكي يكونا منفذين لوصيته الغريبة بعد وفاته. لو اختار غيرهما لما جرت ربما الأمور كما أراد بالضبط.
- قلت إن أكبر إشكال في الوصية هو الصندوق الحديدي.. أختك خديجة هي المستفيد الوحيد منه حسب الوصية. لماذا في رأيك؟
لا أعلم ولا أملك أي جواب عن هذه النقطة. أنا دعوت الجميع للتنازل عن محتويات هذا الصندوق ما دام هو مصدر المشاكل. إذا كانت بداخله أشياء في ملكية الدولة المغربية، فإنها يجب أن تعود إلى الدولة. هذا هو موقفي من ذلك الصندوق منذ البداية.
بالنسبة لي فإن وجود الصندوق الحديدي كان مجرد شك في البداية وسرعان ما تحول إلى يقين عندما تحدث لي الدكتور قنيدل عنه، مرة بالتلميح وأخرى بصريح العبارة ليقول لي إن محتوياته عبارة عن أموال وأوراق مهمة جدا ولا يجب أن تصل إلى أحد بل يجب أن تعود إلى الدولة فورا. أمام صراحة قنيدل معي قوبلت بالتكذيب من طرف والدتي ومحيطها لأنهم أنكروا وجود هذا الصندوق أساسا، قبل أن تصل الوصية إلى يدي وأرى بوضوح أن عبد الفتاح فرج يشير إلى وجود هذا الصندوق ويخص خديجة وحدها بأحقية الاستفادة منه.
هناك أيضا قصة عن صندوق آخر في فرنسا، وهناك اتصالات مع بنك فرنسي، للتأكد مما إن كانت فعلا هناك وديعة باسم عبد الفتاح فرج داخله.
- طيب. هل بلغك خبر انتحار مدير البنك الذي حول لك المال في ألمانيا أم في المغرب؟
علمت به من أمي شهورا بعد آخر لقاء لي به. فبعد المرة الأولى التي حصلت فيها على المال ووقعت إجراءات فتح الحساب باسمي الشخصي، زرته مرات أخرى لسحب المال من أجل مشاريع أخرى أردت بدءها في المغرب، وقد أطلعته، بعد أن أصبحت بيني وبينه ثقة كبيرة، بخصوص قصة العائلة ومشكل الإرث، وتعاطف معي كثيرا. لكنه رغم ذلك لم يخبرني بالمصدر الذي حول لي الثلاثة ملايين ونصف المليون أورو.
- أين الثقة إذن؟
في العلاقة الإنسانية التي نمت بيني وبينه، هناك قوانين في البنك تمنعه من خرق الخصوصية وقد كان ملتزما بها. لا أظن أنه كان قريبا من المشكل الذي كنا نعيشه كعائلة، وأبدى في الحقيقة تعاطفا كبيرا معي، وخبر موته شكل صدمة كبيرة بالنسبة لي. استغربت كيف أن أمي علمت بخبر وفاته ونقلت إليّ الخبر.. لدي شك نسبي في أن يكون خبر انتحاره داخل شقته مرتبطا بعملية التحويل المالي التي أشرف عليها لصالحي باعتباره مدير البنك.
- هل أُغلق حسابك البنكي أو حجزت أموالك بعد وفاته؟
لا أبدا. لم يتغير شيء، جاء مدير آخر فقط. حسابي بقي مفتوحا وأموالي لم تتضرر إلى أن سحبتها كلها من البنك السويسري بكامل إرادتي عندما أردت الاستثمار في المغرب.
- قبل الاستثمار في المغرب، ما هو المشروع الذي حاولت فتحه في ألمانيا في تلك الفترة؟
+كنت قد خططت مع الدكتور أن نفتح محلا كبيرا لبيع الكتب القديمة ومستلزمات المكتبات الكبيرة وما إلى ذلك، في برلين. لكن المشروع لم يتم. أمضينا فترة نبحث عن محل مناسب في العاصمة برلين وواجهت صعوبات في مباشرة العمل، وتوقفنا تماما خصوصا بعد أن عاد من هنغاريا ولم يعد لديه أي شيء.