حسن فرج: «والدي فاوض بشقة مسجلة باسمي لتسهيل مغادرته لألمانيا وأوهم الدولة أن لديه موعدا للعلاج»
> يبدو أن علاقتك بأمك تطورت في آخر حياتها. كيف تنظر إلى ما كانت تخبرك به عن ثروة عبد الفتاح فرج في سنواتها الأخيرة؟
عادي.. كأي أم تخبر ابنها بأشياء لا يعرفها. هي كانت تعلم أمورا كثيرة ولا تبوح بكل شيء.
> قبل أن نتحدث عن آخر اتصال لك بوالدتك. تحدثنا عن موضوع الشقق والعقارات التي امتلكها عبد الفتاح فرج. أشرت في إحداها إلى أنه باع عقارا ليفاوض به من أجل تسهيل مغادرته للمغرب بعد وفاة الملك الحسن الثاني. وضح لنا هذا الأمر.
النزاع حول هذه الملكية بالضبط، جاء مع عمي عمر فرج لأنه وريث لأخيه عبد الفتاح فرج. هذا الأمر متداخل وسأشرحه لك. هذه الإقامة التي باعها والدي بدون علمي، لأنها كانت في ملكيتي، فاوض بها من أجل خروجه من المغرب ليستقر في ألمانيا.
> تقصد أنه فاوض بها؟
نعم. فاوض بها لتسهيل عملية خروجه من المغرب، والأكثر من هذا أنه أخبرهم بنيته في تلقي العلاج في ألمانيا، أي أنه سيغادر المغرب من أجل العلاج، لكنه لم يعد أبدا! قال لهم إن لديه موعدا في برلين مع أحد الأطباء، لكنه في الحقيقة كان ينوي الاستقرار نهائيا في ألمانيا وعدم العودة، لأنه يعلم أن مصيره سيكون غامضا نظرا للثروة التي راكمها في البنوك السويسرية.
بالرجوع إلى الشقة، فإن عقد البيع، أو التفويت، الذي لم تصبح بموجبه في ملكية عبد الفتاح فرج، مطعون فيه، لأنه ببساطة لا يملك الحق في بيعها لأنها في ملكية شاب قاصر (كان عمري حينها لا يتجاوز 15 سنة، أو 16).
> كيف كانت تلك الشقة في ملكيتك في البداية؟
اشتراها وسجلها باسمي. لا أدري ما النية التي بيّتها، لكن الشقة تبقى ملكية لي وسجلها باسمي لأني ابنه، بحسب الأوراق الثبوتية. أي أن ملكيتي لها سليمة قانونيا، لكني بعد عودتي إلى المغرب بعد وفاته بطبيعة الحال، فوجئت أنه باعها إلى شخص اسمه القباج، وطعنت أنا في البيع لأنه تم بدون علمي وأنا المالك الشرعي للعقار.
وبما أنني أريد أن ألغي العقد الذي باع به عبد الفتاح تلك الشقة، فإنها ستعود طبيعيا إلى صف الممتلكات التي تركها عبد الفتاح فرج في المغرب، وسيرغب أعمامي في اقتسامها مع بقية الممتلكات التي تعتبر الآن محجوزة ويمنع التصرف فيها. لكن الشقة في اسمي بحسب العقد، وعبد الفتاح لم يكن له الحق أبدا في بيعها.. لهذا السبب ستصبح محط نزاع عائلي في حالة ما تم الحكم ببطلان العقد الذي عقده عبد الفتاح فرج قبل مغادرته النهائية للمغرب.
> لكنها ستكون في ملكيتك أنت؟
أعمامي يريدون فرض الحجز على جميع الممتلكات، احتجاجا على عدم إخبارهم بوجود ثروة بالخارج.
> هل كانت هناك ممتلكات مماثلة في المغرب؟ سواء التي باعها عبد الفتاح قيد حياته، أو التي بقيت في ملكيته بعد المغادرة إلى ألمانيا؟
أعتقد أنني ذكرت كل ما أعرف. الممتلكات في المغرب معروفة وواضحة، حسب ما أعتقد. المشاكل تبدأ مع الحسابات البنكية في الخارج، والثروة الضخمة التي راكمها عبد الفتاح فرج هناك.
> أخبرني عن والدتك غيثة.. ما هي الظرفية التي اتصلت بك خلالها آخر مرة؟
اتصالها بي في عيد ميلادي كان الاتصال ما قبل الأخير، حسب ما أذكر، ولا أظن أن عدد الاتصالات بيني وبين والدتي بعد عيد ميلادي في بداية مارس 2013، تجاوز اتصالين متقاربين، إن لم يكن اتصالا واحدا فقط بعد تهنئتها لي بذكرى عيد ميلادي الثلاثين.
خلال هذين الاتصالين كان كلامها غير مفهوم ويحمل دلالات. كان أدبيا أكثر منه خطابا عاديا. من جملة ما أوصتني به ألا أثق بأحد أبدا وأنعزل بحياتي وحيدا، وأخبرتني أنني سأفهم سر كلامها في ما بعدُ.
وما طمأنني صراحة، على أنها رحلت عن الحياة وهي راضية عني، جملة قالتها لي في آخر اتصالاتي معها، إذ أوصتني أن أبقى كما أنا، وأن أتخذ قراراتي بنفسي في ما سيأتي من مراحل في الحياة.
> أخبرت أحدا بمضمون الاتصال؟
+نعم أخبرت الدكتور قنيدل. قلت له إن والدتي اتصلت وهذا ما قالته. أخبرني أنه لم يفهم شيئا أيضا. وانصرفنا عن الموضوع.
> كنت مستقرا في فيلا العائلة بطبيعة الحال؟
نعم، وكان معي الدكتور قنيدل أيضا، بالإضافة إلى صديقة برازيلية كانت ترغب في زيارة المغرب، وقد خلق لي وجودها مشكلا حقيقيا لأنني كنت أعاني من عدة مشاكل ولدي أمور كثيرة تستنزف تفكيري، ولم يكن الوقت مناسبا أبدا لاستقبال الأصدقاء. لكنها أصرت على المجيء إلى المغرب لتستكشفه وتزورني هنا.
كان علي أن أصطحبها في اليوم الأول لتستكشف الرباط، وفي اليوم الثاني والذي يليه أخذتها إلى بعض المعالم في الرباط، وفي اليوم الرابع أخذتها لترى شالة، وكنت غير متفرغ للتجول والسياحة. آخر ما يمكن لشخص في مثل وضعي يومها أن يفكر فيه، هو استقبال أصدقاء أجانب ويقوم بجولات سياحية لصالحهم.
بدأت أفقد صبري تماما في اليوم الرابع، وقلت للدكتور قنيدل إنني لا يمكنني أبدا أن أتحمل بقاءها هنا.
> وكيف استقبلتها إذن؟
لقد عرضت عليّ المجيء لتزور المغرب، وقبل أن أخبرها بحقيقة وضعي وانشغالاتي، أرسلت إلي رسالة تقول فيها إنها ستستقل الطائرة في اليوم الموالي! وفي الغد كانت في المطار.
المهم أن زيارتها لي ستجرني إلى مزيد من المشاكل، فبسببها سيتم اعتقالي بعد أن أدليت ببطاقتي الوطنية.
> ماذا وقع؟
ما وقع أنني ضقت ذرعا بوجودها واضطراري كل يوم إلى اصطحابها إلى مكان ما. هي كانت سائحة، أما أنا فلدي مشاكل عائلية عويصة ومشاكل لدى القضاء واتصالات بالمحامي.. إلخ. في ليلة اليوم الثالث تحديدا، أي قبل يوم واحد من قضية اتهامي بالقتل في بنسليمان، كنا نجلس جميعا إلى طاولة العشاء وقد كان الجو مكهربا جدا، وبدا عليّ أنني لم أعد مرتاحا لوجودها لأنها أخطأت التوقيت ولم تستشرن قبل المجيء إلى المغرب لزيارتي. فجأة بدت لها نملة قرب طاولتها، فقامت بسحقها بطريقة غريبة وكأنها تتلذذ بقتل حشرة وكررت ضربات متلاحقة فوق النملة وهي تضحك بشكل هستيري..
نظرت إلى الدكتور قنيدل وأخبرته بالعربية أنني أفضل أن أبيت الليلة في السجن، على أن أنظر إلى تلك البرازيلية التي تستمتع بقتل نملة بتلك الطريقة السخيفة.
وجدت في فعلتها ذريعة للانسحاب ونهضت مفتعلا الغضب من سلوكها، وحاولت أن أظهر أمامها منفعلا من سلوكها. لكن في الغد تراجعت وقلت إنه لا يليق بي كمغربي أن أتخلى عن أصول كرم الضيافة.. إلخ، ودعوتها لتناول الإفطار وكان معنا قنيدل أيضا. عندما كنا نفطر، سألني: «ماذا ستفعلان اليوم؟». أخبرته أنني سآخذها لترى القصر، بعد أن نقوم بجولة في منطقة شالة في الصباح.
مضى اليوم كما كان مخططا، وفي تمام الساعة الرابعة بعد الزوال، كنا في بوابة القصر. قدمت بطاقتي الوطنية إلى الشرطي في البوابة، وقدمت البرازيلية جواز سفرها. وبعد فترة قصيرة عاد إلي الشرطي وطلب مني أن أرافقه، وسألته عن السبب. عندما جلست في مكتب صغير هناك، أخبروني أنني موضوع مذكرة بحث.
> تقصد قضية بنسليمان؟
نعم. أخبروني أن الدرك الملكي بسطات يريدونني في قضية ما. وقد تعجبت كثيرا لأنني لم أزر سطات في حياتي. سألتهم ما الذي يجب القيام به إذن، فأخبروني بأنه من الضروري أن يأخذوني إلى هناك. فشعرت بفرح كبير.
> لم تكن تعلم بعد أنك متهم في جريمة قتل؟
بل لأنني كنت واثقا تماما من أنني بريء من التورط في أي مشكل مع الدرك، وقلت إنه لا بد أن يكون التباس ما، أو غلط هو السبب، وفرحت لأنني لن أكون مضطرا إلى تمضية مزيد من الوقت مع الشابة البرازيلية التي نزلت علي دون استئذان. (يضحك) قلت في نفسي إن أمنيتي قد تحققت. وأقصد الكلام الذي قلته للدكتور قنيدل.
> قبل أن نعرف تتمة قصة إيقافك لدى إدلائك بالبطاقة الوطنية. أشرت إلى أن والدتك اتصلت بك قبل المشكل بفترة؟
نعم اتصلت بي وكانت غاضبة وحازمة، وقالت لي علي أن أتدبر أموري وكأنها تتبرأ مني. لم أعر كلامها اهتماما وظننت أنها توصيني فقط، لكن عندما وقع المشكل واتُهمت بجريمة قتل، عاد كلامها ليرن في أذني، وقلت في نفسي إنها كانت تعرف مسبقا أنه سيتم اتهامي ولم تخبرن.. هذا ما فكرت فيه يومها.
> كيف علمت أن الأمر يتعلق بجريمة قتل؟
قالوا لي في الرباط إنه يتعين عليهم نقلي إلى درك بنسليمان التابع لسطات. وهناك سأعلم، في المساء نفسه بأنني متهم بارتكاب جريمة قتل.