حسن فرج: «هكذا اعتقلتُ وأُحلت على درك سطات والمحامي صاح فيهم: ألا تعرفون ابن من هذا؟»
> قلت بالأمس إنك كنت مسرورا لما أخبروك أن هناك مذكرة في حقك لما أدليت ببطاقتك الوطنية في بوابة القصر. أليس في الأمر مبالغة؟
أنا أنقل لك ما وقع. لقد شعرت فعلا بالفرح لأنني متأكد في قرارة نفسي أنني لست متورطا في أي شيء يستدعي القلق. الفرح سببه أنني لن أكون مجبرا على قضاء الوقت مع الضيفة البرازيلية التي استنزفني قدومها غير المتوقع.
رجال الأمن هناك بأنفسهم تعجبوا لأمر مذكرة البحث الصادرة في حقي لأنهم كانوا يعرفونني جيدا وعلاقتي بهم طيبة. لهذا السبب بقيت هادئا ومدركا أنه لا بد أن يكون خطأ ما قد وقع أو تشابه في الأسماء، أو خطأ في رقم البطاقة.
> متى كان هذا بالضبط؟
تقصد يوم اعتقالي؟
> نعم.. متى وقع الحادث؟
وقع بالضبط يوم 15 مارس 2013، كان يصادف يوم جمعة، مع تمام الساعة الخامسة مساء. عندما أدليت ببطاقتي الوطنية في البوابة الجنوبية للقصر الملكي. وصديقتي البرازيلية أدلت بجواز سفرها، ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضدها. كنت المعني الوحيد بالإخبار. لم يخبروني بأي تفاصيل هناك وإنما اكتفوا بالقول إن هناك مذكرة صادرة بحقي ويجب أن تتم إحالتي فورا على درك سطات لأعرف منهم التفاصيل.
> هل رجحت أن تكون ضيفتك البرازيلية معنية بأي مشاكل في ذلك اليوم؟ كأن تكون موضوع بحث بدورها؟
لا أبدا. كان الإخبار واضحا وأنا المعني الوحيد به. صديقتي اسمها «بريسيلا» ولم يسبق لها أن كانت في المغرب من قبل، وهي شابة لا علاقة لها بأي مشاكل.
> طيب كيف تطورت الأمور؟
أعادوا إلى «بريسيلا» جوازها، وأخبروني أنني يجب أن أبقى معهم لأن هناك مذكرة بحث صادرة في حقي منذ يناير من طرف درك سطات. كنا في منتصف مارس بالضبط، أي أنه مضى على صدور تلك المذكرة حوالي 3 أشهر ونصف تقريبا قبل أن أدلي بنفسي ببطاقتي الوطنية. لو كنت متورطا فعلا في أمر ما لما أدليت ببطاقتي، على الأقل من باب الاحتياط، لكني كنت أعيش بشكل طبيعي جدا.
الغريب أن علامات السرور كانت بادية عليّ إلى درجة جعلت رجل الأمن يرتاب ويسألني عن السبب. فأخبرته أن مذكرة التوقيف هذه من شأنها أن تقدم لي خدمة جليلة تتمثل في تخليصي ولو لساعات من السيدة التي ترافقني. لم يفهم شيئا ولا أعتقد أنه سيفهم الأمر يوما (يضحك).
بعد ذلك طلبت منه إجراء مكالمة هاتفية..
> (مقاطعا) اتصلت بالدكتور قنيدل؟
(يضحك) نعم. كان أول من أتصل به لأخبره بهذا الأمر. ووجدت صعوبة كبيرة في إقناعه بتصديقي، فقد كان متأكدا إلى آخر اللحظات أن الأمر مجرد تمثيلية أنا بطلها، بهدف التخلص من الضيفة البرازيلية. لم يكن يخفى على الدكتور قنيدل أنني ضقت بها ذرعا، وأنني كنت أرغب في مصارحتها بالأمر حتى ترحل في أقرب فرصة.
> تمثيلية عند مصالح الأمن؟
كان يقول إنني لا بد أن أكون وراء موقف «مونتاج». كان يعلم أن لدي أصدقاء من الشرطة، علاقتي بهم طيبة، وشك في أن أكون وراء تدبير تمثيلية أمام «بريسيلا» لحثها على الرحيل في أقرب فرصة. لكن الحقيقة أنني لم أكن أعلم ما يقع بالضبط. بعد اتصالي به، جاء إلى هناك وكان ينظر إلي في ارتياب، غير مصدق ما يقع، وكان ينتظر مني أن أكشف له المقلب لكن لم أقم بأي رد فعل يؤكد له الأمر. انسحب بعد لحظات واصطحب معه «بريسيلا» وكانت برفقته «نادية» والشخص المكلف بالأمن في الفيلا. ذهبوا وبقيت وحدي في مركز الأمن ببوابة القصر. كانت الساعة تشير إلى حوالي السابعة مساء عندما أخبروني أنهم سيأخذونني إلى مركز الدرك الملكي بمدينة سطات، وصعدت لـ»السطافيت» بشكل عادي. ولم أتعرض لأي مضايقة أو سوء معاملة.. ونُقلت إلى مدينة سطات.
عندما وصلنا، وضعوا الأصفاد في يدي، ونزلت من سيارة الأمن، وأدخلوني مقر الدرك.. إلى الطابق الأول تحديدا حيث يوجد مكتب. وجدت هناك شخصا جالسا قبلي ينتظر دوره ليعرض على الدركيين، ونزعوا عني الأصفاد لأتقاسمها من جديد مع الشخص الذي كان جالسا هناك.
تعارفنا وأخبرته أنني من الرباط، وأخبرني هو أنهم ألقوا عليه القبض لأنه فر من «العسكر» وعندما سألني عن سبب اعتقالي أخبرته أنني لا أعرف.
كانت لديه قهوة، وأنا كانت لدي سجائر، فتقاسمنا السيجارة والقهوة وكان الدركي هناك يرمقني بنظرات غير مرتاحة، غير مصدق لما تراه عيناه.
> لم تسأل عن سبب اعتقالك ولا عن سبب مذكرة البحث الصادرة في حقك؟
سألت الدركي الذي كان جالسا خلف آلة عتيقة للرقن. طلبت منه بأدب أن يشرح لي ما ينتظرني من إجراءات أو كم المدة التي سأبقى خلالها حبيسا لديهم وما نوع التهمة التي أوجد من أجلها لديهم. فلم يزد حرفا على ما قيل لي في الرباط: «هناك مذكرة بحث في حقك وسيتم نقلك إلى بنسليمان». عندما سمعت اسم «بنسليمان» للمرة الأولى أحسست أن هناك أمرا غير طبيعي في مسألة اعتقالي..
> لماذا؟
لأني أدركت أن الأمور في تطور.. في البداية قالوا لي سطات، ثم بعد ذلك يخبرونني أنني سأٌنقل إلى بنسليمان.. لذلك أخبرتك في البداية عن «حادث بنسليمان».. كانت تلك المرة الأولى التي أعلم فيها أنني سأتحول إلى درك بنسليمان. طلبت إجراء مكالمة، فاتصلت بالمحامي الذي يتابع قضيتي مع أصهاري، وأطلعته على الأمر.
> هل كنت تعلم وقتها أنك موقوف بسبب جريمة قتل؟
لا لا.. لم أكن أعلم وقتها أن الأمر يتعلق بجريمة قتل. كنت أترقب وبدأت الأسئلة تدور في رأسي وأتساءل إن كان الأمر فعلا يتعلق بخطأ ما أم أن هناك فعلا مذكرة بحث في حقي. وفعلا بعد فترة قصيرة جاء المحامي والتحق بي في سطات. ما إن دخل حتى صاح في الدركي: «ألا تعرفون من يكون هذا الشاب؟ يجب أن تزيلوا له الأصفاد فورا..». فامتثل الدركي على الفور.
> كان يقصد أنك ابن عبد الفتاح فرج.. هل كنت تنتظر معاملة تفضيلية؟
أنا أتعايش مع الأمر بشكل عادي خصوصا بعد كل الأهوال التي مرت عليّ. عندما رأى بعض الجالسين هناك تلك الواقعة، بدؤوا يتقربون مني إلى درجة أن بعضهم طلبوا مني التدخل لصالحهم (يضحك).. واعتذرت منهم بأدب، وأخبرتهم أنني لا أستطيع مساعدة أحد.
أخبرني المحامي إن كنت أعرف شيئا عن سبب وجودي هناك، فأخبرته أني لا أعلم أي شيء ولا فكرة لي أبدا عن السبب. فبدا أنه متذمر لأن اليوم كان يوم جمعة والإدارات تتوقف يومي السبت والأحد، وكان يتوقع أن يتم الاحتفاظ بي في انتظار الاثنين. قال لي: «لا أستطيع فعل أي شيء الآن علينا أن ننتظر».
بعد ذلك التحق بنا الدكتور قنيدل وأحمد المكلف بالأمن في الفيلا حيث أسكن.
> كيف استطاع قنيدل الدخول؟ هو ليس من العائلة..
أخبرهم أنه عمّي وتركوه يدخل مرفوقا بأحمد. ووضعا لي الأغطية وكان قنيدل يضحك ولا زال يعتقد أن الأمر يتعلق بتمثيلية. أخبرني لاحقا أنه في تلك اللحظات كانت «بريسيلا» تجمع أغراضها وتولى هو أمر إيصالها إلى المطار بنفسه في نفس الليلة.
علمت في ما بعد أنه أخبرها أنني متورط في جريمة فجمعت أغراضها على الفور وانصرفت لأنها ربما تخوفت من أن تتورط في شيء ما.. المهم أنها رحلت نهائيا ولم تعاود الاتصال. كنت متأكدا أن الدكتور قنيدل أخبرها شيئا سيئا عني.
> وماذا توقعت أن يخبرها كتبرير؟
كنت أتوقع مثلا أن يقول لها إن الأمر يتعلق بشيء مفاجئ أو خطأ لدى مصالح الأمن، لكنه أخبرها أنني متورط في تهمة ثقيلة، قبل أن يعلم حتى بحقيقة المشكل الذي وقع.
بالعودة إلى زيارته لي لدى مصالح الدرك الملكي، فقد كان يضحك ويعتقد أن الأمر تمثيلية، إلى درجة أن الاستياء كان واضحا على وجه الدركي، الذي لم يفهم سر انشراح الدكتور قنيدل في موقف مشابه. العادة أن الوافدين إلى مركز الدرك يكونون متوترين وعلى أعصابهم..
> أنت دائما في سطات.. كيف تم نقلك إلى بنسليمان؟
بعد رحيل الدكتور قنيدل وأحمد، والمحامي، الذي وعدني أن يأتي من أجلي في اليوم الموالي إلى بنسليمان، بقيت في المكتب بسطات حوالي ساعتين، أنتظر أن يتلقى الدرك في سطات ردا على مكالماتهم مع زملائهم في مدينة بنسليمان، وكنت قد بدأت أتوتر فعلا، لأنه بدا لي أن الأمر سيطول..
> لم تكن تعرف أنك متابع في جريمة قتل؟
لم أكن أعرف أي شيء وقتها. سأعلم بالتفاصيل هناك في بنسليمان..