حسن فرج: «هذه حقيقة التنازل عن نصيبي في الإرث الذي زُور باسمي في باريس»
> كيف شعرت وأنت تغادر في صباح اليوم الذي اتهمت فيه بارتكاب جريمة قتل؟
شعور غريب جدا في الحقيقة. لم يخب ظني في حدسي لأني كنت متيقنا أنني بريء وحافظت على رباطة جأشي حتى لا أُصدم بهذا الاتهام الخطير. ليس من السهل أن توجه لك تهمة ارتكاب جريمة قتل وتعرض عليك صور.. إلخ. في الحقيقة بقيت أفكر طوال الطريق بين ابن سليمان والمحمدية حيث استأذنت من المحامي وصديقه، لأنهما سيتأخران، وأنا كنت على عجلة من أمري أريد الوصول إلى الرباط في أسرع وقت، فاضطررت أن أستقل القطار من المحمدية.
> لماذا؟
قال لي إنه يريد قضاء مصلحة ما في الدار البيضاء، وبالتالي يتعين علي أن أرافقه إليها من ابن سليمان، ثم أعود إلى الرباط. وأنا كنت منهكا تماما ولم يكن بوسعي الانتظار فاستأذنت لأنزل في المحمدية وأستقل القطار.
كنت أفكر، طوال الطريق، في كلام الدركيين والحبكة التي سرداها عليّ وموقف رئيسهما في العمل، وكيف أنه لاحظ بسهولة أن المواصفات التي لديه في الملف لا تنطبق مع مواصفاتي.
كان الأمر لغزا محيرا في الحقيقة، لأني وقتها لم أكن أعلم بعد بقصة التنازل عن نصيبي من إرث العائلة، والموقع باسمي، ولا أدري إلى اليوم كيف تم تزوير هذا التنازل ونسبه إلي.
> سنأتي إلى قصة التنازل بالتفصيل. يصعب تصديق مسألة الاتهام بالقتل والإفراج عنك في نفس اليوم. اشرح لنا تتمة ما وقع.
عندما كنا نهمّ بالخروج، قال لي المحامي هيا أسرع قبل أن يغيروا رأيهم. كنت أعتقد أنه يمازحني، لكنه كان يهم بمغادرة المكان مسرعا فعلا. فأحسست أن الأمر كله غير عادي.
عندما وصلت إلى الرباط لم أجد أحدا، ودخلت بصعوبة لأنني لم أكن أتوفر على المفاتيح. لم أجد أحدا باستثناء الكلاب التي رحبت بعودتي.
أحسست أن الأمور غير طبيعية لأن منزلي لم يكن فارغا يوما، ودائما به زوار. كما أن الدكتور قنيدل ليس من عادته أن يغادر الفيلا، خصوصا أنه يعلم أنني محتجز لدى الدرك الملكي.
> هل كانوا يعلمون في تلك اللحظات أنك متهم بارتكاب جريمة قتل؟
لا أعلم. لكن المفروض أنهم لا يعلمون شيئا عن الموضوع ما دمت قد سمعت به للمرة الأولى، والأخيرة أيضا، لدى الدرك. وبالتالي يجب ألا يعلموا شيئا عن التهمة الخطيرة إلا إذا أخبرتهم بها. لكن مغادرتهم للفيلا بشكل جماعي، في ليلة اتهامي، جعلتني أطرح تساؤلات كثيرة.
أخذت حماما ساخنا وجلست أفكر وأجريت اتصالا بنادية أخبرتها أنني في المنزل لكنها لم تصدقني، وكذلك الأمر بالنسبة لصديق اتصلت به وأخبرته بالحكاية. كنت التقيته صباح اليوم الذي سيتم فيه توقيفي. التقيته في فندق بالرباط وجلسنا قليلا، وبعد ذلك اعتقلت واتصلتُ به فور دخولي إلى المنزل لأخبره بما وقع بعدما ودعته، لكنه لم يصدقني وظن أنني أمزح معه. أخبرته أنني اُعتقلت ووجهت لي تهمة قتل أحد مروجي الكوكايين وغادرت في نفس الصباح الذي وجهت لي فيه تلك التهمة.
فكرت في الاتصال أيضا بالدكتور قنيدل، لكني عدلت عن الأمر في آخر لحظة. لم أستسغ أن أعود إلى المنزل ولا أجده كما هي عادته، وظننت لوهلة أن له علاقة بالأمر.. أصبحت أشك في الجميع، لكن تبين لي بعدها ألا علاقة له بالأمر. بل للأمر علاقة بالتنازل الموقع باسمي في الخارج، وأدركت أن أختي خديجة على علاقة بالموضوع بشكل أو بآخر.
> لكن أعود وأقول لك إن مسألة الدرك غير عادية. هل تركت الأمور تمر هكذا؟ أخبروك أنهم يملكون دليلا ماديا ضدك والأمر كما تقول موثق في المحضر. هل لك أن تفسر لنا هذا الالتباس؟
سأشرح لك. أنا لم أدع الأمر يمر هكذا. بل عدت إليهم لأفهم الواقعة بالكامل خصوصا عندما أدركت أن الأمر محبوك، وأردت معرفة الجهة التي ركبت الواقعة. خصوصا لما اكتشفت وجود قصة التنازل الموقع باسمي لدى البنك بباريس.
لدى عودتي، بعد أشهر، إلى مقر درك ابن سليمان، بهدف الحصول على نسخة من المحضر وتاريخه، لأدلي بها كدليل قوي على براءتي من التنازل عن نصيبي من إرث عبد الفتاح فرج، لاحظت أنهم تحفظوا كثيرا على مدي بنسخة منه.
لم يكن تاريخ التنازل متطابقا مع تاريخ اعتقالي. فالتنازل الموقع باسمي بإحدى المصالح الإدارية في باريس، يقول إنني تنازلت عن كل ممتلكات عبد الفتاح فرج في الداخل وحساباته البنكية في الخارج في الثامن من مارس 2013. بينما تم اعتقالي في 15 مارس من نفس السنة، وأوقفت لأن هناك مذكرة توقيف صادرة في حقي.
أنا كنت أحتاج محضر الدرك لأدلي به حجة على أنني لم أغادر التراب الوطني، لأنه يستحيل على شخص صدرت في حقه مذكرة توقيف وطنية منذ يناير أن يغادر المغرب أو يقوم بأي إجراء، وإلا لكشف أمره قبل مارس.
> تريد أن تقول إن التنازل مزور؟ وما علاقته بالتهمة التي وجهت لك؟
توضح لي الأمر عندما علمت بأمر التنازل المنسوب إليّ. الذين حركوا هذه الخيوط كانوا يريدون أن أتورط في جريمة قتل لأمضي ما تبقى من حياتي في السجن، وأن يفعلوا التنازل، ومن له مصلحة في هذا الأمر هي أختي خديجة. عندما فشل المخطط لدى درك ابن سليمان، توضح لي بعدها أن هناك تنازلا باسمي لدى البنك في فرنسا، فقررت أن أطعن فيه فورا، والدليل الذي سأقدمه هو أنني لم أغادر التراب الوطني.. وأعتقد أن حجتي قوية جدا.
> في نفس هذا الشهر اختفت والدتك..
لم يتوضح لنا أنها مختفية في ذلك الوقت. كنت أظن أن الأمر اعتيادي لأنها ألفت أن تنقطع بين الفينة والأخرى وتختلي بنفسها.. لكن عندما طال غيابها أيقنت أن هناك خطبا ما خصوصا وأن مكالماتها الأخيرة لم تكن عادية، فقررت المضي في البحث عنها والاطمئنان على صحتها على الأقل.
قبل ذلك، كنت منشغلا بمسألة الجريمة والتنازل المزور، وتوجهت إلى درك ابن سليمان لأحصل على نسخة من المحضر حتى أرفقها بملفي، لكني لم أتمكن من الحصول عليها بالسهولة التي اعتقدت، لكنني سجلت بواسطة هاتفي، ما دار بيني وبينهم هناك، وأحتفظ بالتسجيل كاملا، حتى أستعمله كدليل على براءتي في حالة ما إذا تم إتلاف الملف أو إقبار المحضر.
هناك في ابن سليمان حكوا لي ما وقع بالضبط بعد أن تذمرت من مماطلة أحد الدركيين، لأنه كان يمنحني رقما ناقصا أو مقلوبا، ليصعب مسألة حصولي على نسخة من المحضر. إلى أن فقدت صبري مرة وثرت عليه وسجلت ما دار بيني وبينه وفيه اعتراف صريح بأن الأمر كان كله مفبركا.
> ذكرت بالأمس وجود خبر في جريدة ما بعد خروجك، يتحدث عن وفاة تاجر مخدرات.. ما علاقة الأمر بقصتك.
هذا ما أحاول الوصول إليه. بعد فترة على الواقعة، جاء عندي أحمد، المسؤول عن الأمن في الفيلا، مهرولا وكان يحمل معه جريدة وأشار إلى خبر يتعلق بجريمة قتل وقعت يوم صدور الجريدة، وأن الدرك في ابن سليمان يبحث عن قاتلين مفترضين.
> يعني؟
يعني أن هناك من حاول «تلبيسي» جريمة لم تقع بعد. عندما اعتقلت وقيل إن الضحية نطق باسمي قبل موته، وقال إن حسن فرج هو الذي اعتدى عليه، لم يكن قد مات بعدُ. وبعد نجاتي من الفخ بفضل رئيس الدرك هناك، جاء إليّ أحمد بجريدة تتحدث عن جريمة قتل ضحيتها الشخص الذي وجهت لي تهمة قتله قبل أيام. ولا تنس أن مذكرة البحث عني وضعت في يناير، أي قبل ثلاثة أشهر من اعتقالي، وارتكاب الجريمة أصلا!
لذلك قررت الرجوع إلى الدرك هناك للحصول على نسخة من المحضر، لأني بت متأكدا بعد قراءتي للخبر، أن الأمر مفبرك وأن هناك من سعى إلى تدبير تهمة لي، لكن الغريب أنه حاول اتهامي بها، قبل
أن تقع.
> وماذا وجدت بعد ذلك؟
..أصبت بصدمة كبيرة. الأمر خطير فعلا. ماذا يعني أن توجه لك تهمة قبل وقوعها بثلاثة أشهر. أحسست أن حياتي باتت في خطر داهم، وأن إرث الأسرة قد يتسبب في القضاء على حياتي في أية لحظة، وما زاد تقوية هذا الإحساس لديّ، اكتشافي لوجود التنازل المزور.
من جهة، كنت قلقا على حياتي، وكنت قلقا على والدتي، لأنها لم تكن ترد على الاتصالات، وظننت أنها غاضبة مني، خصوصا بعد أن أصبحت هواتفها غير مشغلة بالمرة.
لكن قلقي سيبلغ قمته عندما أكتشف أنها لم تكن على اتصال حتى بأستاذ الموسيقى، صديق العائلة، وهناك بدأت أحس أن هناك أمرا ليس على ما يرام، لأن والدتي لم تقم أبدا بقطع علاقاتها مع أصدقائها المقربين تحت أي ظرف مهما كان.