حسن فرج: «صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت الملف الطبي لوالدتي وهكذا استدعتني وكيلة الملك بسويسرا للشهادة »
حاوره: يونس جنوحي
كيف انتهى لقاؤك مع القس الألماني الذي أشرف على مراسيم جنازة والدتك؟
انتهى بعد تناول العشاء، وقد كنت محتاطا منه وأصبت بصدمة كبيرة عندما رأيت أغراض والدتي في منزله. دعاني إلى العشاء ليعرفني عن قرب، لكني لم أترك له المجال ليتقرب مني، وعلمت لاحقا أنه رحل عن المدينة مباشرة بعد وفاة والدتي، بعد أن أقام فيها لأول مرة في السنة نفسها التي استقرت أسرة عبد الفتاح فرج خلالها هناك أيضا.
- بعد وفاة والدتك غيثة.. بدأتَ تشكك في موتها وقلت إنه يستحيل أن تكون قد ماتت في حريق بسبب تماس كهربائي..
نعم هذا ما خلصتُ إليه. ولست أتحدث هنا من باب العاطفة أو محاولة التشكيك في أي شيء. هناك أدلة ملموسة على أن حادث وفاتها لم يكن عاديا، وهناك أسئلة محيرة وحدها أختي خديجة تملك أجوبة عنها.
- ما هي هذه الأدلة إذن؟
الدليل الأول هو سجلها الطبي في المدينة التي قضت بها آخر أيامها. كيف يعقل أن يأتي شخص ما في مثل عمرها، إلى المستشفى مرتين خلال يومين بسبب حادثتي احتراق؟
لقد ذهبت والدتي إلى الوكيلة السويسرية ووضعت شكاية هناك ضد أختي وصهرها. وبعد ذلك تعرضت لحروق من الدرجة الثانية، وبعدها بيومين فقط تعرضت لحروق خطيرة من الدرجة الثالثة. في الملف الطبي، شكل الحروق ومستوى تغطيتها لجسم والدتي تجعل أمر الاقتناع بأنها حروق ناجمة عن تماس كهربائي أضرم النار في غرفة ما، أمرا صعب التصديق. إذ إن الحروق تبدو منتشرة من الرأس في اتجاه الأسفل، كما لو أن مادة مشتعلة صُبت عليها من الأعلى. وهذا رأي الذين عرضت عليهم الملف الطبي لأمي أيضا.
- هل الملف الطبي يذكر أن أمك تعرضت لحريقين في يومين متتابعين؟
نعم، وفيه كل التفاصيل ابتداء من أسماء الذين استقبلوها في المشفى بالساعة والدقيقة، ورقم الغرفة التي نزلت بها، وانتهاء بالذين قدموا لزيارتها.
- هل تعلم أختك خديجة أن أمك تعرضت لحروق من الدرجة الثانية، يومين قبل حادث وفاتها؟
لا يهم هنا أن تعلم، لكن السؤال الحقيقي هو لماذا أصرت على أن والدتي كانت تعاني من مغص استوجب زيارتها للمستشفى. بطبيعة الحال كانت تعلم بأمر الحروق من الدرجة الثانية، وقالت أمام وكيلة الملك إن سبب زيارة والدتي للمشفى يومين قبل حادث الحروق التي أودت بحياتها، هو مغص في بطنها.
- لماذا لم تواجهها بما يتوفر في السجل الطبي لوالدتك، والذي يقول إنها تعرضت لحروق قبل الحريق الذي ماتت إثره؟
أشكرك على هذا السؤال. لقد تطلب مني الحصول على السجل الطبي لأمي مجهودات كبيرة، سواء في فرنسا أو في سويسرا. لقد رفضوا أن يمدوني بنسخة منه في البداية، لكني بعد إلحاح كبير واتصالات لأشهر طويلة، استطعت الحصول عليه، وها أنا أملك اليوم نسخة منه، وأستدل به لإثبات أن والدتي تعرضت لحريقين متتابعين في أقل من ثلاثة أيام، وليس مغصا في المعدة كما تقول أختي لتبرير زيارتها الأولى للمشفى.
- متى قُلتَ هذا الكلام للوكيلة السويسرية؟
قبل أشهر قليلة، بعد أن مضت سنة على وفاة والدتي تقريبا. وقد رأيت الصدمة في عيني خديجة، لأني أصبحت أملك الإثبات على أن احتراق والدتي لم يكن حادثا عاديا. لا يُعقل أن تصاب بحريقين متتابعين.. هناك من حاول إحراقها.
- حتى نفهم الأمور جيدا.. استدعتك الوكيلة بناء على شكاية تقدمت بها والدتك قبل وفاتها..
نعم وقد شكل هذا الأمر ضربة موجعة لأختي خديجة. لم يظنوا أن والدتي تقدمت بشكاية ضدها هي وصهرها، لدى وكيلة الملك في سويسرا. لم يروها حين تسللت من الشقة التي وضعوها فيها بعد أن أجبروها على مغادرة شقتها في أولم، وتوجهت إلى وكيلة الملك لتضع شكاية تقول فيها إن خديجة تتصرف في أموالها وإنها تضايقها.
- هل تتضمن الشكاية أي اعتداء جسدي؟
لا. حتى أن وكيلة الملك عندما استدعتني للمثول أمامها، سنة بعد وفاة والدتي، قبل أشهر قليلة فقط من اليوم، أخبرتني أن أمر انتقال والدتي للعيش في سويسرا مع أختي خديجة، لا يمكن اعتباره اختطافا، لأن والدتي غيثة ذهبت معها دون تعنيف، ولم تكن مختطفة. وبطبيعة الحال فإن هذا التوضيح الذي تقدمت به وكيلة الملك السويسرية، صحيح، ولكنه لا ينفي أن والدتي تعرضت لضغوط حتى ترافق خديجة إلى هناك، وترحل عن شقتها التي أمضت بها سنوات طويلة، بشكل نهائي.
- طيب، هلا أخبرتنا بما وقع إذن؟
عندما اتصلت بي وكيلة الملك، كنت حينها في المغرب، وقالت لي إنها تتصل بي من سويسرا وسألتني إن كنت ابن غيثة فرج، وطلبت مني أن أحضر إليها إلى سويسرا في أقرب وقت لأنها تبت في أمر قضية والدتي. شعرت بفرح غامر، وكنت متأكدا من أنها تحمل لي خبرا جيدا. أخبرتني أن أمي وضعت قبل وفاتها شكاية ضد أختي خديجة وصهرها، وأكدت لي في الهاتف أنها تطلب مني الحضور كشاهد وليس كمتهم أو مشتبه به. شعرت بارتياح كبير، وأخبرتها أنني سآتي في الموعد المحدد وفعلا استقللت الطائرة إلى سويسرا وحضرت جلسة ترأستها وكيلة الملك في مكتبها.
- وهل وجدت أختك خديجة هناك؟
طبعا، كانت هي وصهرها الذي قدم نفسه في زيارة والدتي في الحادث الذي فارقت فيه الحياة، على أنه عمّنا، وهو الأمر الذي لم يكن صحيحا بطبيعة الحال.
كانا يجلسان في كرسي واحد، وجلست أنا أمامهما في انتظار أن تستدعيني الوكيلة للمثول أمامها. عندما رأتني خديجة لم تقو على النظر إليّ وأبقت عينيها على الأرض، وزاد من رعبها أن وكيلة الملك خاطبتني فور جلوسي، وقالت لي إنها تعيد على مسامعي التأكيد على أنني مستدعى كشاهد فقط وشكرتني على تكبد عناء الحضور.
- كيف؟
هناك من لا يريد لي أن أطلع على السجل الطبي لوالدتي في الحالتين اللتين زارت خلالهما المشفى في أقل من يومين. الأول خرجت منه سالمة والثاني أودى بحياتها للأسف. حصلت على سجل بعد جهود جبارة واتصالات كثيرة، كانت تتقاذفني خلالها مكالمات الممرضات وموظفات الاستقبال واعتذارات الأطباء، والسجل الآخر، توصلت منه بصفحات قليلة جدا، تحمل الأرقام 42 و43.. إلخ. وهو ما يعني أن هناك صفحات ناقصة. السجلان معا يقولان إن والدتي كانت تعاني من اضطرابات نفسية، وأعراض الزهايمر، أي أن حالتها النفسية لم تكن مستقرة.
- وهل أخبرت الوكيلة بأمر السجل الطبي الذي تتوفر عليه؟
نعم أخبرتها به وبأمر السجل الآخر الذي لم أحصل منه إلا على 4 صفحات، بينما هو يتكون من أزيد من أربعين صفحة. وكان الأمر بمثابة صدمة لخديجة وصهرها. صدموا جميعا عندما سألت الوكيلة أثناء شهادتي: «هل يمكن سيدتي الوكيلة أن يتعرض شخص ما لحريقين متتابعين في يومين؟».
- كيف تفسر غياب هذا المعطى إن كان موجودا في السجل الطبي لوالدتك. ألم يطلع عليه محاميك في ألمانيا أو سويسرا؟
المحامي لم يكلف نفسه عناء الحصول على السجل، وقد كان هذا الأمر موضوع عتاب بيني وبينه لأني بذلت مجهودا كبيرا في الحصول عليه، وفي الأخير فاته الانتباه إلى الملاحظة التي تقول إن والدتي تعرضت لحروق من الدرجة الثانية، قبل أن تتعرض لحروق من الدرجة الثالثة وتفارق إثرها الحياة.
أختي خديجة تقول إن والدتي كانت تعاني من مغص أو ألم في البطن، وهو ما استدعى نقلها إلى المشفى في ذلك التاريخ وهذا ليس صحيحا. التقرير بين يدي يقول إنها تعرضت لحروق من الدرجة الثانية.
عندما اتصلت بالمستشفى أكثر من مرة دون أن أصل إلى نتيجة، حالفني الحظ في المرة الأخيرة ووجدت في الاستقبال ممرضة متعاونة، سألتني عن هويتي فأجبتها بأنني حسن فرج، ابن غيثة فرج وأود الحصول على ملفها الطبي. فأخبرتها أن والدتي حلت بالمشفى يومين قبل وفاتها، وسألتني إن كان الأمر متعلقا بحروق من الدرجة الثانية، ولم أفهم أي شيء وقتها، لكن عندما سلمتني نسخة من الملف الطبي فهمت أن والدتي تعرضت لحروق من الدرجة الثانية يومين قبل تعرضها لحروق من الدرجة الثالثة.. لا يعقل أن تُحرق في بيتها وتعود من المشفى وتحترق من جديد بسبب تماس كهربائي كما تم تشخيص الحادث.
يقول التقرير الأخير إن خادمة ما حاولت سحبها من الغرفة التي اشتعلت بسبب تماس كهربائي، لكنها لم تقو على حمل ثقل والدتي فتركتها تحترق. أتساءل هنا عما إن كان شخص مسن تُرك في غرفة مشتعلة، سيُحرق من الرأس نزولا مع الذراعين وينتهي الحريق في الفخذين، وكأن شيئا ما صُب عليه من أعلى..؟
- طيب، حتى لا نستبق جميع الأحداث التي عشتها بين وفاة والدتك واكتشافك لهذه الأمور. تحدثت لنا عن تحويلات مالية باسم والدتك عندما كانت رفقة أختك خديجة.. اشرح لنا أكثر.
الوكيلة قالت لي إن الأمر لا يتعلق باحتجاز عندما مثلت أمامها للشهادة. لأنني كنت أقول إن والدتي مختطفة، والوكيلة قالت لي إن الأمر ليس صحيحا لأنها قابلت والدتي عندما قدمت إليها قبل وفاتها لوضع شكاية ضد أختي بخصوص تصرفها في أموالها.. هنا بدأت أحاول إيجاد خيوط تربط بين ما قالته والدتي، والعمليات البنكية لأختي خديجة طوال تلك الفترة. أنا أعتقد أن خديحة أجبرت والدتي على الانتقال معها إلى سويسرا. صحيح أنها لم تختطف ولم تحتجر، لكني متأكد من أنها أُجبرت على ترك منزلها ومرافقة خديجة التي تصرفت في أموالها قبل وفاتها، وهناك ما يثبت كل الأمور التي قلتها للسيدة الوكيلة السويسرية، كشاهد وليس كمتهم أو مشتكى به.