حسابات كورونا بين واشنطن وطهران
مروان قبلان
على الرغم من انهماكهما بمكافحة فيروس كورونا، لم ينشغل النظام الإيراني، ولا إدارة الرئيس ترامب، عن متابعة العداء المستحكم بينهما. على العكس، يجد البلدان في التصعيد مصلحة مشتركة في هذه المرحلة تحديدا، من جهة لصرف الانتباه عن فشلهما الذريع في التصدي للوباء. ومن جهة ثانية، هي فرصة لزيادة الضغوط على الخصم، وتسجيل نقاط في الحرب الباردة الدائرة بينهما، منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في ماي 2018.
تلمح إيران تحديدا فرصة للرد على بعض الضربات التي تلقتها من إدارة ترامب، كان أكثرها قسوة، أخيرا، واقعة تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد، مطلع العام الجاري. تقرأ إيران، وتتابع، جيدا تطورات الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، خصوصا أن رهانها الفعلي بات اليوم مرتبطا، أكثر من أي وقت مضى، بخسارة ترامب انتخابات الرئاسة في نونبر المقبل. ولا بد أن يلحظ المرء أن الوباء، وعلى الرغم من فداحة الأضرار التي ألحقها بإيران، سواء على مستوى الأرواح (أكثر من ستة آلاف وفاة بحسب إحصاءات رسمية، و30 ألفا بحسب تقديرات إعلامية مستقلة)، أو على مستوى الخسائر الاقتصادية (تقدرها مصادر بـ42 مليار دولار)، إلا أنه قد يكون حليفها الرئيس وأملها الوحيد في هزيمة ترامب في الانتخابات المقبلة.
في هذا السياق، يأتي التصعيد الإيراني المحسوب ضد إدارة ترامب، سواء على شكل احتكاك بين زوارق البحرية التابعة للحرس الثوري والسفن الحربية الأمريكية في مياه الخليج، أو عبر إطلاق إيران قمرها الصناعي العسكري الأول، كاشفا عن مدى تطور برنامجها الصاروخي الذي تضغط إدارة ترامب، ومعها الأوربيون، لوضعه على الطاولة في أي مفاوضات مستقبلية. تقوم حسابات طهران على أن إدارة ترامب تعيش حاليا أسوأ أوقاتها، بعد أن ذهب الوباء بإنجازاتها الاقتصادية التي كانت تعول عليها للفوز بانتخابات نونبر، فخلال خمسة أسابيع من تفشي الوباء، خسر الرئيس ترامب البطاقات الاقتصادية الثلاث التي كانت تمضي به حتما نحو الفوز بولاية ثانية، بحسب وكالة موديز(Moody’s)، فقد ارتفع مستوى البطالة من 3,6 في المائة قبل انتشار الوباء، وهو أقل معدل في خمسين سنة، إلى 15 في المائة حاليا، بعد أن خسر نحو 30 مليون أمريكي وظائفهم، في الأسابيع الأخيرة. أما أسواق الأسهم، فقد انخفضت هي الأخرى من مستوياتها التاريخية، التي اقتربت في فبراير الماضي من 30 ألف نقطة، إلى أقل من 20 ألف نقطة، قبل أن تسترد بعض خسائرها أخيرا. أما دخل الفرد الذي تحسن كثيرا في سنوات ترامب الثلاث الأولى، فقد عاد وانتكس بشدة بسبب الوباء.
استطلاعات الرأي العام الأخيرة، والتي تعكس خيبة الأمريكيين من الإدارة الكارثية لأزمة تفشي وباء كورونا، تؤكد تراجع حظوظ ترامب الانتخابية، وترسل إشارات مشجعة لإيران للتصعيد، انطلاقا من أن ترامب لن يستطيع في ظل الوضع الكارثي الذي يواجهه، أن يفتعل أزمة كبيرة في السياسة الخارجية.
تبدو تقديرات إيران للمصاعب التي يواجهها ترامب منطقية، بلا شك. ولكن حساباتها معه لم تكن دائما دقيقة، بدليل انسحابه من الاتفاق النووي، ثم إلغاءه الإعفاءات المتصلة بتصدير النفط الإيراني، وأخيرا قراره تصفية سليماني. تغفل إيران أحيانا أن لدى الخصم حساباته أيضا. والواضح أنه كلما اشتد الضغط الداخلي ازداد ميل ترامب إلى الهروب إلى الخارج، بدليل تركيز إدارته، بحق أو بغير حق، على تحميل الصين مسؤولية انتشار الفيروس، سواء بترويج أطروحة أنه جرى تصنيعه في مختبر بووهان، أو أن الصين تكتمت على انتشاره. بالمثل، قد تجد إدارة ترامب ما يغريها بالتصعيد مع إيران، وافتعال أزمة تنقذها من ورطتها الداخلية، ويبدو أنها بصدد فتح معركة لتمديد الحظر على مشتريات إيران من السلاح، والتي تنتهي في أكتوبر المقبل، بحسب الاتفاق النووي، مستفيدة من الاستفزاز الذي مثله إطلاق إيران قمرها الصناعي العسكري الأول.
في شتنبر 1992 لاح للرئيس جورج بوش الأب احتمال الهزيمة في الانتخابات التي كانت تبعد بنحو شهرين، فاتخذ قراره بالتدخل عسكريا في الصومال، على أمل أن يساعده ذلك في تغيير النتيجة. لم يفلح بوش في تغيير النتيجة، لكن الولايات المتحدة كانت قد غزت الصومال.