حرية الدين والمعتقد في إطار المنظومة القانونية الإسبانية 3
محمد ظهيــري
تشكل اتفاقيات التعاون بين الدولة الإسبانية والطوائف الدينية، إحدى طرق تفعيل الحقوق المتعلقة بحرية التدين المنصوص عليها في دستور سنة 1978م، بهدف توفير الشروط اللازمة لضمان الممارسة الفعلية للحرية الدينية وإزالة العقبات التي تحول دون التمتع بهذا الحق الدستوري. هذه الاتفاقيات منصوص عليها في المادة السابعة من القانون الأساسي 7-1980 للحرية الدينية، المنشور في الجريدة الرسمية ليوم خامس يوليوز من سنة 1980م، كما سبق أن بينا.
كل الطوائف الدينية يمكنها توقيع اتفاقيات تعاون مع الدولة الإسبانية، شريطة استيفائها لشرطين: الأول، أن تكون مسجلة في سجل الهيئات الدينية. والثاني، أن تحصل على درجة «التجذر المشهود»(Notorioarraigo) في إسبانيا.
الى حدود سنة 2019م، أربع طوائف فقط وقعت اتفاقيات تعاون مع الدولة الإسبانية، وهي: الكنيسة الكاثوليكية (اتفاقيات 3 يناير 1979)؛ الكنائس الإنجيلية (القانون 24-1992، المؤرخ بتاريخ 10 نونبر 1992)؛ الجماعات اليهودية (القانون 25-1992، المؤرخ بتاريخ 10 نونبر 1992)، ثم الجماعات الإسلامية (القانون 26-1992، المؤرخ بتاريخ 10 نونبر 1992).
الاتفاقيات المبرمة مع الفاتيكان تعادل المعاهدات الدولية الموقعة بموجب الدستور الإسباني، ويتم التفاوض بخصوصها عبر القنوات الدبلوماسية. تعديلها أو إلغاؤها يتم وفقا لبنود المعاهدة نفسها، أو وفقا للقواعد العامة المنظمة للقانون الدولي. وقد أبرمت الدولة الإسبانية والفاتيكان سبع اتفاقيات، بين سنتي 1962 و1994م. الاتفاقية الأولى متعلقة بالاعتراف المدني بالدراسات غير الكنسية التي أجريت في الجامعات التابعة للكنيسة (1962)؛ والثانية هي بمثابة اتفاق ثنائي أساسي (1976)؛ والثالثة متعلقة بالشؤون القانونية (1979)؛ والرابعة تخص التعليم والشؤون الثقافية (1979)؛ والخامسة تعنى بالرعاية الدينية للقوات المسلحة والخدمة العسكرية لرجال الدين (1979)؛ والاتفاقية السادسة تخص الشؤون الاقتصادية (1979)؛ وأما الاتفاقية السابعة فتخص «المسائل ذات الاهتمام المشترك في الأرض المقدسة (دولة الفاتيكان)» (1994).
أما الاتفاقيات المبرمة مع باقي الديانات فتعتبر، من حيث طبيعتها القانونية، قانونا خاصا عاديا، يتم التفاوض بخصوصها بين الحكومة والممثلين الوطنيين للطوائف الدينية المعنية ويُصادق عليها في البرلمان. قد يتأثر مضمون هذه الاتفاقيات بالقوانين المصادق عليها لاحقا، مما قد يستدعي تعديلها دون أن تكون الحكومة ملزمة بإعطاء أي استفسار للطائفة المعنية.
وقد وقعت الدولة الإسبانية اتفاقيات تعاون مع الطوائف الدينية، التي حصلت على الاعتراف القانوني المعروف في التشريع الإسباني بـ«التجذر المشهود»(Notorioarraigo) لهذه الديانات في إسبانيا، نظرا لطول تاريخ تواجدها وعدد أتباعها في إسبانيا (البروتستانتية واليهودية والإسلام). غير أنه نظرا لكثرة عدد جماعات وجمعيات هذه الأديان التي تم تأسيسها، أواخر سبعينيات وخلال ثمانينيات القرن الماضي، فقد اقترحت الدولة الإسبانية على ممثليها ائتلافها في اتحادات. هذه الأخيرة، أي الاتحادات، سيكون دورها تمثيل كل الجمعيات والجماعات المنضوية تحت تنظيمها، كما ستكون المخاطب الرسمي للدولة. وهذه الاتحادات هي: اتحاد الهيئات الدينية الإنجيلية(FEREDE) ؛ اتحاد الجماعات اليهودية في إسبانيا (FCJE)، ثم المفوضية الإسلامية في إسبانيا (CIE).
من جهة ثانية، هذه الاتفاقيات تميز بين نوعين من الحقوق: الحقوق الفردية والحقوق الجماعية. وأما الحقوق الفردية التي تضمنها فهي: الاعتراف بالزواج المبرم طبقا لديانة المتزوج أو المتزوجين كزواج مدني؛ الاعتراف بالحق في الرعاية الدينية لكل العاملين في القوات المسلحة؛ ضمان الحق في الرعاية الدينية لنزلاء السجون أو المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية أو نظائرها في القطاع العام؛ ضمان الحق في التعليم الديني في المدارس العمومية والتابعة للقطاع الخاص، والتي تجمعها اتفاقيات تعاون مع الدولة الإسبانية، ثم ضمان الحق في الاحتفال بالأعياد الدينية ويوم العطلة الأسبوعي لكل ديانة. وأما الحقوق الجماعية المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، فهي: الحق في التدين وإنشاء أماكن للعبادة والمقابر الخاصة بكل ديانة؛ الحق في اختيار وتعيين الأئمة أو الدعاة أو «الوزراء» الخاصين بكل ديانة («الوزراء» في حالة الديانة الإنجيلية)؛ الحق في السرية المهنية؛ الحق في التأمين في نظام الضمان الاجتماعي العام؛ الحق في تلقي الهبات والتبرعات؛ الحق في الإعفاء من بعض الضرائب؛ الحق في إنشاء مراكز وتقديم أنشطة خيرية أو رعاية اجتماعية؛ حق كل طائفة دينية في التعاون مع باقي منظمات الطائفة نفسها ومع الطوائف الدينية الأخرى، في إسبانيا أو في الخارج؛ ضمان وصاية الدولة على حماية وصون وتعزيز التراث الثقافي ذي الأهمية الدينية، ثم ضمان وصاية الدولة على نظام التغذية الخاص بكل ديانة.