شوف تشوف

الرأي

حركة «النهضة» والأسئلة الحارقة

محمد كريشان
الناس في تونس ثلاثة أصناف في النظر إلى حركة «النهضة»: الأول معارض لها في المطلق وكاره لكل ما تفعله أو تقوله ولا يبدو مستعدا لتعديل موقفه هذا ولو خرجت الحركة من جلدها، الثاني قواعدها الحزبية ومناصروها، وهؤلاء من المدافعين عنها في كل الأحوال والمبررين لسياساتها والمتذمرين مما يعتبرونه حالة عداء متأصلة وظالمة ضدها، الثالث لا يملك موقفا مسبقا وثابتا لا بالتأييد ولا بالمعارضة، لكنه في المجمل تراه أميل إلى عدم الارتياح للحركة. وحتى إذا لم نسلم بتصنيف كهذا، فإن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرتين أثبتتا أن الحركة ليست بتلك التي يخشى هيمنتها المخيفة على المشهد، كما يتم التحذير دائما من أي انتخابات حرة يشارك فيها الإسلاميون، ذلك أن مرشحها للرئاسيات حل ثالثا ليس إلا، فيما لم تفز هي سوى بـ52 من مقاعد البرلمان الــ217 وإن جاءت في المرتبة الأولى. ما نراه هذه الأيام أن الصنف الأول المشار إليه أعلاه ازدادت نبرة كرهه للحركة، فيما يشهد الصنف الثاني بعض التململ، في وقت تتجه فيه كفة الثالث إلى مزيد من التوجس منها.
أما أسباب ذلك فتعود إلى مجمل تطورات شهدتها الساحة الوطنية، جعلت حركة النهضة وقيادييها وقواعدها أمام عدد من الأسئلة الحارقة أهمها:
أولا: اختيار زعيم الحركة راشد الغنوشي ليكون رئيسا لمجلس النواب الجديد، وقد قارب الثمانين من العمر، ما يجعله في الغالب غير قادر على تحمل أعباء جلسات تمتد لساعات طويلة مع نقاشات مضنية.. لقد أثار هذا الاختيار استغراب حتى بعض المعجبين العرب بتميز تجربة الحركة الإسلامية في تونس ومرونتها، خاصة إذا ما قورنت بما ارتكبه «الإخوان المسلمون» في مصر من أخطاء قاتلة، فقد اعتبروا أن مكانة الغنوشي كمؤسس ومنظر وزعيم هي أكبر من أن يطمع في مثل هذا المنصب الذي لن يضيف له شيئا، بل قد ينتقص، والذي كان بإمكانه أن يدفع إليه، لو شاء، ببعض قيادات «النهضة» الشابة أو حتى أن تزهد فيه الحركة مرة واحدة حتى لا تتهم بنزعة الهيمنة على الدولة برئاسة البرلمان والحكومة معا.
ثانيا: أن هذا الوصول إلى رئاسة البرلمان ما كان ليتم دون أصوات حزب «قلب تونس»، الذي وصف وقيادته وأنصاره بأسوأ ما يمكن أن يلصق بالمنظومة القديمة من فساد. والأسوأ من هذا التصويت، الذي جاء بالتأكيد نتيجة توافقات وتفاهمات لا أحد يعلم تفاصيلها بعد، ما صرح به الغنوشي نفسه في تبريره. لقد قال عندما سئل عن هذه المفارقة بأن «الأغبياء وحدهم لا يغيرون آراءهم»، مما مثل طعنة لأية مصداقية أو مبدئية من قبل من يفترض أنه حريص على أخلقة الحياة السياسية وتنظيفها.. مما يعني هنا أيضا أن تكلفة وصول الغنوشي إلى رئاسة البرلمان كانت أفدح مما لحق به هو شخصيا.
ثالثا: اختيار حركة النهضة لشخصية مغمورة لتشكيل الحكومة الجديدة، هو كاتب دولة (وكيل وزارة) للزراعة في حكومة سابقة. ما عرف عن الحبيب الجملي إلى حد الآن لا يتعدى كونه شخصية مستقلة غير متحزبة، مشهورا بالنزاهة ونظافة اليد، لكن ذلك لا يكفي في بلد على رئيس الحكومة، الشخصية الأولى في السلطة التنفيذية وفق الدستور التونسي، أن يعالج فيه ليس فقط ملفات سياسية داخلية ضاغطة للغاية، وإنما أيضا أن يتصدى لمشاكل اقتصادية واجتماعية لا حدود لها، مع استحقاقات قاسية مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وضرورة جلب مزيد الاستثمارات إلى البلاد وطمأنة شركاء تونس التقليديين.
للأسف، لا أحد رأى شيئا من هذا في السيد الجميلي، خاصة مقارنة بأسماء تم تداولها من قبل، بل رأوا أن حركة «النهضة» ما كانت لتختاره سوى لأن يكون شخصية طيعة لديها، غير مستفيدة من تجربة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، عندما ظن الشيء نفسه مع يوسف الشاهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى