شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

حرب لا دماء فيها

 

 

 

وحيد عبد المجيد

 

لا يرى من تتجه أنظارهم إلى التوترات بين أمريكا والصين المشهد الأكثر أهمية وتأثيرا في مسار السباق بين الدولتين الأكبر في عالم اليوم. التوتر بينهما مشتعل فعلا، ويزداد، ولكن في مجال التقنيات الأكثر تقدما المعتمدة في كثير من منتجاتها على الشرائح أو الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات.

فقد أصبحت هذه التقنيات المصدر الرئيسي للقوة، وصارت الشرائح الإلكترونية اللازمة لها المكون الذي لا بديل عنه لزيادة هذه القوة كما ونوعا. ولهذا تكتسب الحرب بشأنها أهمية أكبر من أي نزاع عسكري، لأن التفوق فيها يمكن أن يحدد نتيجة هذا النزاع أو ذاك. كما أن نتائج الحرب بشأن الشرائح الإلكترونية أوسع بكثير مما يمكن أن يترتب على أي نزاع. ولا ننسى أيضا التداخل بين تلك الحرب والنزاع المتصاعد حول تايوان، التي تعد شركاتها أكبر منتج للشرائح في العالم.

حرب بدأتها واشنطن، وصعدتها في العامين الأخيرين، بعد ما تبين أنها لا تستطيع الفوز على الصين عن طريق الركض بشكل أسرع، ما لم تتمكن من إبطاء حركتها عن طريق إضعاف قدرتها على الوصول إلى المكون الأهم لقدراتها الأساسية.

ركزت واشنطن في هذه الحرب على تقييد مبيعات الشرائح الإلكترونية الأكثر تقدما (بين 7 و14 نانومترا) إلى بكين، وكذلك معدات صناعتها والبرمجيات المستخدمة في تصميمها، إلى جانب حظر عمل شركة «يانغستي ميموري» الصينية في الولايات المتحدة.

واتبعت الصين أولا سياسة الحد من تأثير هذه القيود عليها بوسائل شتى، قبل أن ترد أخيرا بفرض قيود على شركة «ميكرون» الأمريكية العملاقة في هذا المجال. وقد اختُبرت هذه الشركة تحديدا، لأن الشرائح التي تصنعها يسهل تعويضها عن طريق زيادة واردات الصين من شركتي «سامسونغ» و«إس كيه هاينكس» الكوريتين.

والمتوقع أن يزداد لهيب هذه الحرب التي تمضي فيها الولايات المتحدة بلا هوادة، مدفوعة بقلق مزدوج من سرعة التطور التقني في الصين، وضعف سيطرة الإدارة الفيدرالية في واشنطن على الشركات الأمريكية التي يحركها السعي إلى الربح في المقام الأول.

ولهذا بدأت في تقديم حوافز لهذه الشركات، من أجل ربطها ببرنامج يهدف إلى ضمان تأمين حاجات البنتاغون ووكالات الاستخبارات من الشرائح الأكثر تقدما، تحت شعار حماية الأمن القومي.

وبدأ في أول مارس الماضي تنفيذ قانون جديد لهذا الغرض تُقدَّمُ بموجبه حوافز فيمتها 39 مليار دولار للشركات المنتجة للشرائح الإلكترونية، وفي مقدمتها «إنتل» و«نيفيديا»، إلى جانب رصد 13 مليار دولار أخرى لدعم البحث العلمي والتطوير في هذا المجال.

فيا لها من حرب لا تراق فيها دماء، لأن سلاحها العقل وليس المدفع والدبابة والقنبلة والصاروخ.. حرب لا يُرى لهيبها رأي العين، ولكنه يُدْرَكُ عبر مراقبة تفاعلات بالغة التعقيد لم يعرف العالم مثلها من قبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى