تشهد الإدارة المركزية لوزارة التربية الوطنية «حربا» وُصفت بغير المسبوقة، منذ تعيين الاستقلالي يونس السحيمي في منصب الكاتب العام. ومن تجليات هذه الحرب ظهور «تحالفات» جديدة يقودها كبار المسؤولين، خصوصا الذين استفادوا أخيرا من تعيينات مباشرة دون احترام لمسطرة التباري على المناصب العليا. منهم مسؤولون انتقلوا إلى مديريات مركزية أخرى، وقبل مغادرتهم حرصوا على تعيين مقربين منهم عائليا في مناصبهم السابقة، بالإضافة إلى تعيين مسؤولين سابقين في مناصب مهمة، بالرغم من تجاوزهم سن التقاعد بسنوات، وآخرين شرعوا في تصفية الحسابات مع مسؤولين من مرتبة ثانية، خصوصا المسؤولين الجهويين. لذلك لا حديث هذه الأيام إلا عن المحظوظين الذين سيتم اختيارهم لمناصب أكاديميات فاس وكلميم وطنجة، وهي المناصب التي أصبحت فارغة بموجب القانون، والحرب التي تجري الآن بين المسؤولين هي تعيين مقربين منهم في هذه المناصب.
المصطفى مورادي:
حرب التعيينات متواصلة
تم، قبل أسابيع، تعيين مسؤول مركزي سابق يبلغ من العمر 70 سنة على رأس مدرسة التميز «دراسة ورياضة» التي تم خلقها أخيرا لتكون مؤسسة رائدة وطنيا في المشروع الملكي الذي يحمل الاسم نفسه. هذا التعيين اعتبرته مصادر من وزارة التربية الوطنية مجرد «الجزء الظاهر في جبل الجليد»، ذلك لأنه، منذ تعيين الاستقلالي يونس السحيمي، الذي يأتمر مباشرة بأوامر «رئيسه» نزار البركة، عرفت الإدارتان المركزية والجهوية تقلبات كبيرة في التحالفات بين المسؤولين، لتحل محل التحالفات السابقة التي كان يقودها الكاتب العام السابق للوزارة يوسف بلقاسمي.
وأكدت المصادر ذاتها أن «إعادة تدوير» مسؤولين سابقين لهم ولاء لحزب الاستقلال، وأيضا تعيين مسؤولين جدد لهم الولاء نفسه أضحى السمة المميزة للحياة الإدارية بالوزارة الآن، ينضاف إلى كل هذا، تفيد المصادر ذاتها، التغول الملحوظ الذي يقوم به ديوان الوزير شكيب بنموسى، والذي وصل حدا أصبح فيه مدير ديوانه هو الآمر الناهي في الوزارة، ضدا على المرسوم الذي ينظم عمل مديري وأعضاء الدواوين، والذي يمنع على هؤلاء المتعاقدين التدخل في التدبير الإداري، ويحصر مهامهم في القيام بالدراسات وتقديم الشروحات والإفادات للوزراء.
وتتحدث المصادر نفسها عن أن أصداء الحرب التي تدور رحاها في الإدارة المركزية بين الصقور، وصلت للإدارات الجهوية وكذا لإدارة مراكز التكوين، حيث عرفت الوزارة، في الشهور الأخيرة، إلغاء مباريات تولي إدارة بعض مراكز التكوين، فضلا عن إلغاء مباريات التوظيف، خصوصا مباريات مناصب أساتذة التعليم العالي، والتي وصلت أصداؤها للمحاكم الإدارية.
وأكدت المصادر نفسها أن صقور الوزارة يعدون العدة، كل من جهته، لتعيين مقربين منهم عائليا وحزبيا، في أكاديميات تم الإعلان الرسمي عن شغور مناصب المسؤولية فيها، من قبيل أكاديميتي فاس وكلميم، وأكاديميات سيتم الإعلان عنها قريبا، بعد أن أصبح المسؤولون فيها في وضعية غير قانونية، إثر وصولهم لسن التقاعد، على غرار أكاديمية طنجة، فضلا عن حرب وصفتها المصادر ذاتها حول منصب مدير أكاديمية مراكش، الذي أصبح في حكم «المعفي» بعد فضيحة الفيديوهات التي انتشرت عن الداخليات التي احتضنت مكفولي الأمة.
وإذا ألقينا نظرة حول لائحة المرشحين للتباري حول المناصب المعلنة رسميا، وخاصة مناصب إدارة الأكاديميات الجهوية، سنجد مسؤولين سابقين تم إعفاؤهم من طرف الوزير والكاتب العام السابقين، فضلا عن تعيين متقاعدين في مناصب خفية، في صيغة تعاقدات.
وتستمر أزمة الحكامة
أزمة الحكامة كانت إحدى أبرز النقاط التي تمت مناقشتها مرارا بين الوزارة والنقابات، لكون تصور الوزارة في تنزيل مبدأ «ربط المسؤولية بالمحاسبة» على مستوى المديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية، لا يمكن أن يستقيم دون إعمال المبدأ نفسه في الإدارتين المركزية والجهوية، حيث أضحى مؤكدا اليوم أنه يستحيل الحصول على منصب فيها بدون الانخراط في حرب المواقع، بشكل أضحى معروفا الآن، بأن معايير الكفاءة والخبرة والإشعاع هي آخر ما يتم اعتماده في التعيينات. لذلك سنرى مسؤولين جددا هم امتداد لصقور الوزارة، سواء صقور المفتشية العامة أو بعض المديريات المركزية.
هذه الأزمة رافقت وزارة التربية الوطنية طيلة عقود، حيث إن هناك مسؤولين زامنوا ستة وزراء دون أن يطولهم التغيير، وأغلب هؤلاء واكبوا كل مشاريع الإصلاح الفاشلة، منذ 2009 على الأقل، وبدل أن يبادر الوزراء لتجديد دماء الوزارة بجيل جديد من المسؤولين، يتم تدوير هؤلاء، حيث رأينا تعيين مسؤولين مركزيين في مناصب جهوية، وآخرين قضوا مدة في المسؤوليات الجهوية وتم تعيينهم في الإدارة المركزية، وأحيانا بصيغة «مدير مكلف» بمديريات لا تنص عليها الهيكلة الرسمية للوزارة.
ومن تجليات هذه الأزمة أن دخول أي مسؤول دائرة مدير أكاديمية أو مدير مركزي معناه أنه أصبح «محميا»، وهذا ما يفسر أنه يستحيل أن نجد مديرا مركزيا أو جهويا معفيا، بينما إعفاء مسؤولين في مراتب دنيا أمر جار به العمل بوزارة التربية الوطنية.
تعيين شكيب بنموسى على رأس القطاع اعتبره البعض في البداية «فأل خير» لكون خلفيته المهنية والتكوينية تؤهله لأن لا ينخرط في سياسة الإرضاءات التي لم ينج منها وزراء سابقون، ولكن هذا التفاؤل سرعان ما انطفأ، عندما أقدم على قرارات تعيين يجمع كل المهتمين والمتتبعين للقطاع على أنها تكريس للفساد، بل و«عجز» في مواجهة رموز «الفشل». وكانت أبرز هذه التعيينات، على الإطلاق، تعيين المدير السابق للمركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب في منصب مدير مديرية التقويم، وهو المنصب الذي يخول له إدارة مركز الامتحانات المسؤول عن كل الامتحانات الإشهادية والمهنية والمباريات، وهو أيضا عين «حماه» في منصبه السابق.
وإضافة إلى هذه التعيينات السوريالية، تم، أيضا، تعيين المدير السابق لمديرية المناهج مفتشا عاما للشؤون التربوية، فضلا عن التمديد للمفتش العام للشؤون الإدارية والمالية، وتعيينات أخرى يجمع كل المتتبعين على أنها غير شفافة من قبيل تعيين المدير الجديد لمديرية المناهج.
يضاف إلى كل هذا استمرار العمل بهيكلة وظيفية غير رسمية تسمح بتعيينات لا يطولها مرسوم التعيين في المناصب العليا، بل وتسمح بتولي مسؤولين مركزيين لأكثر من منصب واحد، مثلما هو الحال في إدارتين مركزيتين مكلفتين بالتوجيه وتكوين الأطر، وكلاهما يدبرهما شخص واحد له ولاء مباشر لمسؤول آخر يعد من صقور الوزارة
نافذة 1:
الحرب بين صقور الوزارة شملت الصراع حول أكاديمية مراكش خصوصا بعد أن أصبحت وزارة الداخلية هي المسؤولة فعليا عن قطاع التعليم بالجهة
نافذة 2:
استمرار العمل بهيكلة غير رسمية تسمح بتعيينات لا يطولها مرسوم التعيين في المناصب العليا وتسمح بتولي مسؤولين مركزيين لأكثر من منصب واحد