شوف تشوف

الرأي

حرب المعلومات والحاجة للتشريعات

محمد البشاري

تعتبر حرب المعلومة من أقدم الحروب وأخطرها تأثيرا على الإدراك والتوجهات وبناء القناعات، إذ يختلف أفراد المجتمعات على صحة المعلومات.
هذه الضبابية بالتحديد، هي ما تواجهه مجتمعات العالم في ظل «الجوائح» المعلوماتية المضللة، وهشاشة بعض وسائل الإعلام، وانعدام معرفتها المهنية، ناهيك عن الطوفان المعلوماتي المرتكز على الإشاعات والمعطيات المغلوطة المتكاثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي لعب دور المحرك الرئيس في توجيه بوصلة الأمن الاجتماعي والنفسي، وحتى السياسي في المجتمعات.
وعند الوقوف على عدد مثل 78 مليار دولار، ككلفة اقتصادية للأخبار المضللة خلال عام 2019، وفق دراسة لجامعة بالتيمور الأمريكية، فإن النظر يعاد مائة مرة قبل اعتبار هذه المشكلة كغيرها، سيما أن المعلومات المالية الخاطئة بالولايات المتحدة وحدها قدرت تكاليفها بـ17 مليار دولار، أضف إليها تسعة مليارات دولار للمعلومات المضللة المنشورة عن الصحة العامة، وثلاثة مليارات دولار لتأمين المنصات الإلكترونية، و650 مليون دولار للإنفاق السياسي وتأمين العلامة التجارية!
وفي ظروف الجائحة، يمتد تأثير السريان المعلوماتي المشوه لمسارات أبعد بكثير من صنع القرار، وبناء وجهات النظر، للتأثير المباشر على صحة المتلقي، النفسية والجسدية، إذ يقول الدكتور جيف والتون، كبير محاضري المعلومات والاتصالات بجامعة مانشستر متروبوليتان، إن «أولئك الذين لا يجيدون إصدار أحكام بشأن المعلومات التي يقرؤونها، أو يشاهدونها في الصحف أو التلفاز أو على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة المعلومات الخاطئة مثل الأخبار المزيفة، واجهوا استجابة جسدية سلبية لها.. وهذا يعني أن المعلومات الخاطئة ضارة بصحتهم البدنية»، وفق ما ورد في إحدى دراسات كلية نوريتش للطب بجامعة إيست أنجليا البريطانية.
ولفهم ذلك لا بد من استدراك المشاهد المصاحِبة لأولى حالات الإصابات بفيروس كورونا، والألقاب التي ارتبطت ببعض الدول، خاصة بؤر انتشار الفيروس، والتي امتدت اليوم للأشخاص ممن لم يتلقوا اللقاح، دون الوقوف على أسباب ذلك، وغيرها الكثير من الظواهر المعاشة في وقتنا الحاضر.
إن ما يحدث في مضمار الانتشار المعرفي والمعلوماتي، يدعو إلى ابتكار خريطة طريق واضحة المعالم، تستهدف الجهات المسؤولة عن تدفق المعلومات، مسهمة في إيصال خطاب إعلامي مهني احترافي، يقطع الطريق أمام لصوص المعلومات المغلوطة، وصانعي المحتوى الزائف، وفي الوقت ذاته يحقق إمكانية بناء ثقة عالية بين المتلقي وجهات الإعلام سريعة الاستجابة، ومستدامة التغذية المعلوماتية، لتشيح من اهتمامه بالمصادر التي تنتهج نشر الصحافة الصفراء وبث الإشاعات، لرفع أسهم شهرتها على المنصات الافتراضية دون رقيب ولا حسيب.
وعليه، فإن التحدي اليوم في الفضاء الإلكتروني يكمن في قدرة صناع القرار على خلق مساحة مشتركة للمعلومات الدقيقة، والخروج من السبل لتفعيل الأدوات التي تخفف من وطأة الشائعات، وانتشار الأخبار الكاذبة التي تصب مباشرة في وعاء السلوك الفردي والمجتمعي، واتخاذ القرارات على الصعيدين المحلي والدولي.
إن الثقافة المجتمعية تمر بتحديات تكوينية كثيرة مرتبطة بالتحولات المتسارعة، وبتذبذب وصول المعلومات إليها، محاطة بتطور تكنولوجي، من أحدث أشكاله منصات التواصل الاجتماعي التي لا تترك حدودا إلا وتخطتها، الأمر الذي يصب مباشرة في وعاء الثقافة المفتقر لأرضية صلبة تبنى عليها، ولتشريعات وقرارات أكثر شمولية ونفاذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى