شوف تشوف

الرأي

حرب الرقائق الإلكترونية بين أمريكا والصين

مع تطور الحياة المعاصرة، أصبح الناس يعتمدون على الأجهزة الإلكترونية، التي تدخل في صناعتها الرقائق أو الشرائح «chips»، وهي الدماغ المُشغل للأجهزة، وتمنح القدرة الفائقة في الأداء للكمبيوتر، والنقال، والسيارة، والطائرة، والغسالة، والأقمار الاصطناعية، والأسلحة بأنواعها، والإنسان الآلي «الروبوت»، ولجميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وغير ذلك.

ويتم تصميم الرقائق بأمريكا، فيما يجري إنتاجها في مصنع تايوان «tsmc»، الذي يهيمن على السوق، ويزود العالم

بـ 54 في المائة من احتياجاته من الرقائق، وتعتمد عليه الولايات المتحدة في صناعاتها العسكرية.

وقد تعرض سوق الرقائق في العالم للضغط الشديد بفعل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وبدأت المشكلة بازدياد الطلب على الرقائق، مع ظهور الجيل الخامس، ثم تفاقم الوضع حين منع الرئيس الأمريكي السابق بيع الرقائق المصنوعة بتايوان إلى الصين.

ولما جاءت جائحة كورونا وعمل الموظفون من بيوتهم، ازداد الطلب على الكمبيوترات والأجهزة الإلكترونية، ثم توقفت مصانع الرقائق بسبب الإغلاقات.

وتوقف مصنع بولاية تكساس بسبب تساقط الثلوج، ومصنع في اليابان، بسبب حريق. ورافق ذلك ازدياد كلفة الشحن عالميا بنسبة 10 أضعاف.

وجاء طلب أمريكا نقل مصنع تايوان إلى ولاية أريزونا، تحسبا لاجتياح الصين لجزيرة تايوان، ووضع يدها على هذا المصنع.

ولتبيان أهمية مصنع الرقائق التايواني بالنسبة إلى أمريكا، فقد تصدر جريدة «واشنطن بوست» عنوان يقول «الرقائق التايوانية المصنوعة بأريزونا هي مستقبل التجارة الأمريكية». وهذا يؤكد أن واشنطن تنظر لأهمية رقائق تايوان بجدية بالغة، وتعتبرها مسألة حياة أو موت بالنسبة لمستقبلها. ويشير قرار نقل المصنع التايواني إلى أن أمريكا تريد ضمان ديمومة تزويد صناعاتها بالرقائق.

لقد جرى إنتاج الرقائق، المصنوعة من مادة «السيليكون» الموجودة بالتربة، لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1958. وكل شريحة هي عبارة عن دائرة إلكترونية متكاملة، متناهية الصغر بمقياس «النانو».

ولتوضيح مدى الفارق في التقدم بين الصين وأمريكا، في هذه التكنولوجيا، نجد أن الشريحة المصنوعة في تايوان تتم صناعتها بتقنية 5 نانو، فيما الشريحة المصنوعة في الصين تتم صناعتها بتقنية 28 نانو. وإذا كان هذا هو مقياس مدى التقدم، فإننا نلاحظ الفارق الكبير بين الشريحتين.

ويؤكد هذا الفارق أن حجم مشتريات الصين من الرقائق، قبل عقوبات ترامب، قد بلغت 350 مليار دولار سنويا. وانعكست العقوبات سلبا على شركة «هواوي» الصينية التي هوت أرباحها إلى الحضيض.

ومن هنا جاء القرار الاستراتيجي، في عهد أوباما، في تكثيف التواجد الأمريكي في جنوب شرق آسيا، لأن الهدف هو الحيلولة دون أن تلحق الصين بالولايات المتحدة من الناحية التكنولوجية.

لقد أدت السياسة الضريبية الخاطئة إلى هروب المصانع الأمريكية تدريجيا إلى الخارج، خاصة إلى تايوان وكوريا والصين. ويبدو أن الخطة اليوم تقتضي إصلاح هذا الخطأ الاستراتيجي، لتشجيع صناعاتها  التكنولوجية المتقدمة على العودة إلى البلاد، بعدما كادت أمريكا تفقد ريادتها في هذا المجال الحيوي، بهروب المصانع وتسرب أسرارها العلمية إلى الصين.

وبما أن الولايات المتحدة تنظر إلى نقص الرقائق كمسألة أمن قومي، فقد خصص الكونغرس الأمريكي أخيرا 170 مليار دولار مع حوافز ضريبية، لدعم صناعات التكنولوجيا بشكل عام، منها 52 مليار دولار، لدعم صناعة رقائق السيليكون بالذات، على مدى 5 سنوات.

أما الصين فقد خصصت 150 مليار دولار لدعم صناعة الرقائق، وهذا دليل على شعورها بالحاجة الماسة كي تلحق بالمنافس الأمريكي. لكن الصين تعاني من نقص العلماء والخبراء في مجال الرقائق، ونقص المعدات والآلات التي تُصنع مصانع الرقائق، والتي منعت إدارة ترامب هولندا من تزويد الصين بها.

ويتوقع مختصون أن تستمر أزمة الرقائق لسنوات قادمة. فإنشاء مصانع جديدة للرقائق ليس سهلا، ومكلف جدا، ويحتاج إلى عمالة مدربة جيدا، ويتطلب وقتا. فكلفة المصنع قد تصل إلى 10 مليارات دولار، وتستغرق على الأقل سنة ونصف السنة.

وتدرس «سامسونغ» الكورية فتح مصنع رقائق في مدينة أوستن في ولاية تكساس الأمريكية، بكلفة 17 مليار دولار، فيما أعلنت شركة «إنتل» عن نيتها استثمار 20 مليار دولار لإقامة مصنعين للرقائق.

وأخيرا، لا بد أن يصاب المرء بالصدمة، ويشعر بالإحباط والأسى، وهو يرى الدول المتقدمة تخوض الحروب التجارية، وتتنافس في ما بينها، أيها تسبق الأخرى في إنتاج شريحة إلكترونية متناهية الصغر باستخدام تقنية «النانو»، حيث المليمتر الواحد يساوي مليون «نانو»، والسنتيمتر يساوي عشرة ملايين «نانو».

وبينما نجد عالمنا العربي والإسلامي غارقا في سبات عميق وجدل بيزنطي لا يغني ولا يسمن من جوع. عالم أصبح مقياس النجاح فيه: كم مليون كيلومتر دمرت من وطنك، أو كم مليارا سرقت من شعبك، أو كم مليون نفس بريئة قتلت من أهلك، أو كم مليونا من مواطنيك هجرت خارج الوطن!

فهل يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه مقياس النجاح لدينا بـ«النانو»، مثل باقي الأمم؟ أو نعود إلى ذلك اليوم الذي كان فيه المؤلف يُكافَأ ذهبا بوزن كتابه، لا أن يُزجَ به في غياهب السجون ظلما وعدوانا؟

نافذة:

أدت السياسة الضريبية الخاطئة إلى هروب المصانع الأمريكية تدريجيا إلى الخارج خاصة إلى تايوان وكوريا والصين ويبدو أن الخطة اليوم تقتضي إصلاح هذا الخطأ الاستراتيجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى