حراك الريف وحرب الأنابيب
للذين يحبون قراءة ما وراء السطور وعدم الاكتفاء بالروايات المبتسرة والسطحية للأحداث أن يبحثوا في الأسباب الحقيقية التي كانت وراء اندلاع الحرب في سوريا، فبقليل من البحث سوف يكتشفون أن أطراف الحرب السورية تتمثل في جبهة واشنطن وجبهة روسيا. ولمعرفة خلفيات كل طرف ومصالح كل واحد منهما في هذه الحرب تجب قراءة ما قاله الخبير الأمريكي ميتشل أورنشتاين الذي كتب أن «معظم الأطراف المتحاربة في الحرب السورية هي دول مصدرة للغاز، وبطريقة أو بأخرى تملك مصالح من أجل تمرير الغاز، إما القطري أو الإيراني، نحو أوروبا عبر سوريا». مما يعني أن الحرب المندلعة بسوريا هي حرب حول الأنابيب البترولية والغازية العابرة نحو أوربا نظرا لموقع سوريا المطل على البحر المتوسط الذي يمكنها من أن تكون جسرا مع أوربا.
عندنا في المغرب بمجرد ما أعلن الملك عن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري الذي سيمكن من تصدير الغاز الإفريقي نحو أوربا حتى كشر الدب الروسي عن أنيابه، وهذا طبيعي، فروسيا تمسك بخناق أوربا بكاملها بفضل أنبوبها الغازي الذي يزود دول غرب أوربا بالغاز الضروري لبقاء سكانها على قيد الحياة في زمهرير الشتاء.
وبوتين يرى في الأنبوب المغربي النيجيري طوق الخلاص الذي سوف تتسابق نحوه دول أوربا وبالتالي لن يكون لبوتين ما يبتز به هذه الدول.
أما الجزائر، جارتنا الحسودة، التي سبق لها أن أعلنت قبل سنوات عن مشروع أنبوبها الغازي مع أبوجا منذ 2002 دون أن يرى المشروع النور، فقد شنت على المغرب حملة شعواء في صحافة العسكر بمجرد ما ترأس الملك جلسة عمل خصصت لمشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب.
هذا الانزعاج الروسي الجزائري ستظهر آثاره على رمال الصحراء، وبالضبط بمنطقة الكركرات في الحدود بين المغرب وموريتانيا، عندما احتلت قوات البوليساريو المنطقة العازلة وبدأت تعترض طريق الشاحنات التجارية المغربية القادمة من دول إفريقيا.
وتطور الأمر إلى حد أن الحكومة الموريتانية، لأول مرة منذ اتفاقية الهدنة الموقعة بين المغرب والبوليساريو في شتنبر 1991، مكنت جبهة البوليساريو من نشر مجموعة من مقاتليها على الشاطئ الأطلسي المقابل لمنطقة الكركرات.
وكان الهدف طبعا هو جر المغرب للرد عسكريا على استفزازات البوليساريو والجزائر، غير أن المغرب لعبها بذكاء ولجأ إلى تحكيم الأمم المتحدة التي أجبرت البوليساريو على الانسحاب.
اليوم هناك محاولة لجر الجيش للتدخل، لكن في الريف هذه المرة، بهدف جر المنطقة إلى دائرة العنف ورد الفعل وتوفير أسباب نشوب مواجهات مسلحة.
وفخ الكركرات كان إشارة روسية جزائرية نحو المغرب مفادها أن الأنبوب الغازي إذا كان سيمر عبر بنين وطوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسينغال بدون مشاكل، فإن مروره بموريتانيا لن يكون نزهة بل سيكون محاطا بالألغام.
وحتى إذا فكر المغرب في تمرير الأنبوب عبر البحر أمام سواحل موريتانيا فإن زوارق البوليساريو الحربية التي تسلمتها من الجزائر يمكن أن تفشل هذا المشروع.
إذن فالمغرب يدفع اليوم ضريبة طموحه الاقتصادي والسياسي داخل إفريقيا.
وطبعا في موضوع موريتانيا لا يجب أن ننسى اليد الفرنسية، فالإليزي لديه سلطة القرار بنواكشوط، وليس صدفة أن حميد شباط عندما حاول تسميم الأجواء بين المغرب وموريتانيا بتصريحاته الغبية، بعدما تضرر ابنه من كساد تجارة تهريب السيارات المسروقة من موريتانيا بعد تشديد الحراسة على الحدود، ذهب إلى باريس لكي يخاطب المغاربة من قناة فرانس 24 التابعة مباشرة للخارجية الفرنسية.
وطبعا ففرنسا تخاف من فقدان نفوذها على الدول الإفريقية التي كانت تستعمرها، لذلك فهي تنظر بانزعاج لرحلات الملك الإفريقية واستثماراته الكبرى بها، خصوصا في مجالي الفوسفاط والغاز.
ومن يراجع خطب الملك الأخيرة سيقف على حجم الانتقادات التي وجهها للقوى الاستعمارية، خصوصا فرنسا، التي يحملها مسؤولية تخلف وتأخر إفريقيا عن اللحاق بركب الدول النامية.
وشخصيا كنت أتوقع قبل سنة أن تندلع أحداث في المغرب، سواء بدوافع مشروعة أو غير ذلك، لكي يتم الركوب عليها لاحقا وإغراق المملكة في الفوضى لدفع الملك إلى الانشغال بالداخل الملتهب وعرقلة المسار الانفتاحي على إفريقيا.
وطبعا فالجميع يتفق على أن احتجاجات الحسيمة ونواحيها هي ذات طابع مطلبي مشروع، لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن الاحتجاجات تكون عفوية وذات نفس مطلبي مشروع، لكن يتم اختراقها بذكاء من طرف أصحاب المصالح ولوبيات نافذة داخلية وخارجية لتوجيه مسار الحراك نحو أهداف أخرى أكثر خطورة وخبثا.
لذلك فاليد الجزائرية كانت حاضرة في شخص صحافي جزائري يشتغل بصحيفة الوطن الجزائرية، تم ضبطه وسط الحراك بعدما دخل المغرب كسائح، وتم طرده.
وأيضا تم طرد جزائرية حاملة للجنسية البريطانية كانت تعطي دروسا بحضور الزفزافي في مواضيع لها علاقة بالعرقية والأمازيغية.
ولن يكون صعبا على الجزائر تمرير السلاح الليبي نحو المغرب لتسليح مجموعات يمكن أن تعلن الكفاح المسلح لتحرير الريف مما يسميه الزفزافي وأتباعه «الاستعمار العروبي».
وهذا طبيعي، فالجزائر بالنسبة إليها استقرار المغرب يمثل مشكلا لأن هذا الاستقرار يسمح للمغرب بالتقدم والتحول إلى المستثمر رقم واحد في إفريقيا، إضافة إلى التحولات الكبيرة التي تعرفها المدن على مستوى البنيات التحتية والمشاريع الكبرى التي أثارت غيرة المعلقين الجزائريين الذين لا يخجلون من الإعلان صراحة أنهم يعودون من المغرب مرضى ولا يفهمون كيف تمكن المغرب الذي لا يملك البترول ولا الغاز من «الهرب عليهم» فيما هم يملكون هذه الثروات ولا يتوفرون على نصف ما يتوفر عليه المغرب من بنيات.
هذا السؤال يخلق انزعاجا كبيرا لحكام الجزائر لأنه سيؤدي إلى المطالبة الشعبية بمعرفة أين تذهب ثروات الجزائريين، ولذلك فالمغرب حسبهم يجب أن يتراجع إلى الوراء لكي يكون في مستوى الجزائر أو أقل.
بعبارة أخرى المغرب «علا البارة بزاف» على الجزائر ومن شأن ذلك أن يطرح إحراجا سياسيا للجيران مع شعبهم.
وعندما نرى ما هي القنوات التلفزيونية التي تواكب ساعة بساعة احتجاجات الحسيمة وأي احتجاج آخر في أية مدينة من مدن المغرب نكتشف أنها جميعها قنوات تابعة لوزارات خارجية الدول التي تمولها، أي أنها تشتغل ضمن أجندة محددة وليس غايتها الإخبار.
فقناة فرانس 24 التي لا تقول حرفا واحدا عما يحدث في الجزائر والتي تتابع دقيقة بدقيقة ما يحدث بالمغرب عبر جيش من رؤساء التحرير الجزائريين وبعض المرتزقة المغاربة هي قناة تابعة للإليزي.
وقناة روسيا اليوم التابعة مباشرة للكرملين، والتي لم تكن يوما تهتم بأخبار المغرب، أصبحت تغطي على مدار الساعة أحداث الريف، بل أصبحت تهتم بأحوال سكان القرية حيث يوجد منجم إميضر للفضة، والسبب واضح، فموسكو تعبر بهذه الطريقة عن انزعاجها من مشروع خط الغاز المغربي النيجيري.
وهناك قنوات أخرى تواكب ما يقع في الحسيمة كقناة البي بي سي البريطانية التابعة مباشرة لـ10 داونينغ ستريت، والقناة الرسمية الألمانية التي لا يتابعها حتى الألمان.
وفي ألمانيا فإن النشطاء المغاربة يعملون جاهدين على تدويل الحراك لكي يضغطوا على ألمانيا في اتجاه منع ترحيل المغاربة من طالبي اللجوء السياسي في ألمانيا نحو المغرب بدعوى أن المملكة لم تعد بلدا آمنا.
إنها الدول الإمبريالية نفسها التي قسمت المغرب بينها مثل الكعكة خلال مرحلة الحماية هي من تسخر قنواتها الرسمية لتضحيم الاحتجاجات بالحسيمة وتقديم المغرب كبلد على فوهة بركان سينفجر لا محالة.
وهذه الدعاية الإعلامية الدولية للاحتجاجات التي تعرفها الحسيمة وبعض المدن التي يخرج فيها المواطنون في مسيرات تضامنية مع الحسيمة هي دعاية مكلفة بالنسبة إلى المغرب، لأنها تقدمه كبلد غير مستقر وغير آمن، مما سيتسبب في توجيه ضربات موجعة للسياحة والاستثمار الخارجي.
ونتائج هذه الصورة التي ترسمها وسائل الإعلام هذه وشبكات التواصل الاجتماعي المخترقة من طرف قوى سياسية وجماعات مصالح تستغل عفوية الناس وعدم إحاطتهم بالمخططات الكبرى التي تحاك للمنطقة هي نتائج كارثية على اقتصاد المغرب.
ما الحل إذن للخروج من هذه الورطة التي وجد المغرب فجأة نفسه فيها؟
غدا نقدم الحل الوحيد الذي بدونه ستتعقد هذه الورطة وسيطول مسلسل الخروج منها.