حدود في عُرض البحر..
يونس جنوحي
كل الصحف الجزائرية نشرت خبر وصول بعثة المنتخب المغربي لفئة أقل من سبع عشرة سنة إلى الجزائر، للمشاركة في المنافسات الإفريقية لكرة القدم، في خانة أخبار السياسة وليس في قسم الأخبار الرياضية.
وحتى التي حاولت إضفاء صبغة «رياضية» على الخبر، لم تخل أسطر مقالاتها من سياسة.
والحقيقة أن نظرة مدبري الشأن العام في الجزائر تجاه المغاربة، كانت دائما تسير في هذا الاتجاه. فحتى في سنوات الثمانينيات عندما تقرر أن تحتضن الجزائر نسخة الألعاب الأولمبية العربية، وأيضا ألعاب البحر المتوسط، اتُهم الوفد المغربي بالتجسس على الجزائريين، ونشرت الصحافة الجزائرية وقتها مقالات تتهم وزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري، بحشر موظفيه وسط الإداريين المرافقين للاعبين. وأخيرا فقط، طرد الجزائريون الصحافيين المغاربة المرافقين للاعبين المغاربة، واتُهموا بأنهم مُخبرون، في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يُشهرون اعتمادهم الرسمي لتغطية التظاهرة.
والآن، يبدو أن بعض الأصوات الجزائرية التي تدعو إلى تحكيم صوت العقل، أو على الأقل إخراس الحمقى، وجدت من يُصغي إليها، وبدأت بعض المنابر الجزائرية تتداول عبارات الترحيب بمنتخب الشباب المغربي.
ولضمان أن تمر أجواء حضور المنتخب المغربي على ما يرام، يجب أن يُرسل بعض إعلاميي الجزائر في مهمة إلى خارج البلاد، أو أن يذهبوا في عطلة مدفوعة إلى أي مكان، ولا يعودوا إلا بعد نهاية المنافسات، حتى لا يرتكبوا أي حماقة قد تعصف بالمبادرة الجزائرية. إذ إن أحدهم، يقدم نفسه أستاذا يا حسرة، يقول إن المغرب اختار أن يُسمي إحدى مدنه «طنجة»، ونطقها بالفرنسية، وغمز بإحدى عينيه، مشيرا إلى درجة التشابه بينها وبين اسم «آلجي»، العاصمة الجزائرية. وأغفل هذا الأخير أن مدينة طنجة أطلق عليها هذا الاسم قبل الميلاد، وتعاقبت على حكمها دول كثيرة على مدى آلاف السنين، بقيت خلالها تحمل الاسم نفسه، حتى قبل أن يصل عقبة بن نافع إلى شمال إفريقيا.
منذ اختراع «الفوتوشوب»، بدأ هؤلاء الجزائريون يتداولون خرائط لا أساس لها من الصحة عن حدود الجزائر. بينما لو كلفوا أنفسهم عناء الدخول إلى البوابة الإلكترونية لمكتبة باريس، أو المكتبة الوطنية الفرنسية للأرشيف، لوجدوا آلاف الخرائط والمطبوعات التي تمنح تصريح الدخول العسكري للفرنسيين إلى منطقة تندوف، من مدينة أكادير المغربية، منذ سنة 1912.
لكن مثل هذه الحقائق المسنودة بالوثائق، يتطلب الوصول إليها إعمال الحس الأكاديمي والعلمي أولا، وهو أمر غائب عند هواة «الفوتوشوب» ونشر الأخبار دون التأكد من مصدرها. إذ إن برامج تعديل الصور، يمكنها أن تجعل شجرة تبتسم، وليس فقط أن تُعدل حدود دولتين فوق الخريطة.
قبل أن تتأكد المشاركة المغربية، نشرت الصحافة الفرنسية مقالات تتساءل فيها عن مصير المشاركة المغربية. ولم تخل أسطر بعض المقالات، خصوصا تلك التي نشرتها «فرانس 24»، من سياسة. إذ إن المقال جعل المشاركة قرارا بيد المغاربة، وأغفل ذكر جزئية القرار الجزائري القاضي بإغلاق الحدود الجوية في وجه الطائرات المغربية.
بدا التحامل على المغرب واضحا أيضا عندما أشار المقال إلى أن المسؤولين المغاربة لم يحسموا بعدُ في مشاركة المنتخب المغربي، بل ويطالبون بخط جوي مباشر بدل المرور من تونس ومنها إلى الجزائر.
وكأن ما طلبه المغاربة أمر مستحيل أو تجاوز لحدود اللياقة. بل إن المقال أشار في نهايته إلى تصريح جزائري يتهم المسؤولين المغاربة بممارسة مناورات مشبوهة، واتهمهم بمحاولة إفشال «الشان» في وقت سابق، دون أن يُدرج كاتب المقال تصريحات مغربية رسمية سبق أن صدرت للرد على تلك الاتهامات.
عموما، وصل المنتخب المغربي، ورحب به الجزائريون البعيدون عن «مرق» السياسة. المباريات في النهاية تُلعب فوق عشب طبيعي وأحيانا فوق عشب صناعي. وعلى حد علمنا لا يوجد حتى الآن أي «عُشب سياسي». والجزائريون الحقيقيون يعرفون حقيقة واحدة وهي أن المغاربة إخوان لهم، سواء رُسمت الحدود شرقا أو حتى في عُرض البحر.