شوف تشوف

الرأيالرئيسية

حجبُ الشمس بالغربال

في هذه الأيام المباركة، من شهر رمضان، يعيش مُسلمون في باكستان على إيقاع رعب يومي يطول النساء والأطفال والشيوخ، بسبب الانفلات الأمني في إقليم «بلوشستان» الحدودي. بل إن تقارير حقوقية تحدثت عن حالات اختفاء قسري ووجود ضحايا تعذيب على طريقة القرون الوسطى، مع إفلات منفذي تلك الاختطافات من العدالة.

مقالات ذات صلة

هذه المنطقة المنكوبة تقع في الحدود الباكستانية الإيرانية الأفغانية، أي أنها ملتقى طرق حقيقي لثلاث دول، ويسكنها حوالي 11 مليون نسمة، حسب آخر الإحصائيات.

وحسب وكالات الأنباء الدولية، فإن آخر الهجمات الدموية، التي سُجلت في المنطقة، تعود إلى السادس من مارس الجاري، حيث أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن عملية إرهابية. وأسفر الهجوم الانتحاري على نقطة مراقبة أمنية عن وفاة تسعة من رجال الأمن و13 مواطنا من سكان الإقليم.

ورغم أن سلسلة أخرى من الاعتداءات والهجمات تطول المنطقة، إلا أن طالبان لا تتحرك لإنقاذ الوضع، رغم حدة تقارير المنظمات الإنسانية التي تتابع ما يقع في المنطقة بكثير من القلق.

وما زاد من تعميق الأزمة ما يعانيه الاقتصاد الباكستاني هذه الأيام بسبب انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، ووصوله إلى أدنى مستوياته على الإطلاق. بالإضافة إلى تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

ويبدو أن البحر ليس الكائن الوحيد الهائج، هذه الأيام، في منطقة الحدود البحرية الباكستانية مع إيران وأفغانستان، بل إن الوضع الداخلي أيضا في منطقة «بلوشستان»، الضاربة في القدم، صار متقلبا هذه الأيام.

ولأن المصائب لا تأتي فُرادى، كما يقال، فإن هذه الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني، تنضاف إليهما العلاقة المضطربة لعدد من الفرقاء السياسيين الباكستانيين مع حكومة طالبان الأفغانية، التي أمسكت بزمام السلطة في البلاد مباشرة بعد رحيل القوات الأمريكية.

وتندد تقارير دولية كثيرة بوضع «طالبان» الحالي، إذ إنها لم تعد تلك الجماعة المتشددة التي تأوي إلى الجبال، بل صارت، بقوة واقع الأمر، شريكا سياسيا في أفغانستان.

وفي الوقت نفسه، الذي تجري فيه هذه الممارسات ضد المسلمين في المنطقة الحدودية الباكستانية مع إيران وأفغانستان، أجرى منسق وزارة الخارجية الأمريكية في قسم شؤون مكافحة الإرهاب، كريستوفر لاندبرج، مباحثات موسعة مع سكرتير وزارة الخارجية الباكستاني، تهم موضوع مكافحة الإرهاب.

المكان الطبيعي للسياسيين هو شاشة التلفزيون. يظهرون وهم يصافحون بعضهم البعض ويوقعون الأوراق أو يتحدثون أثناء المشي في الأروقة الطويلة المُفضية إلى المكان المخصص لالتقاط الصور أمام عدسات الكاميرات، فيما الواقع مغاير تماما.

وفق إحصاءات رسمية صادرة عن المعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن، فإن شهر يناير من سنة 2023 يبقى أكثر الأشهر دموية في البلاد، إذ قُتل فيه 134 شخصا وجُرح أكثر من 254 آخرين في هجمات متفرقة. هذه حصيلة شهر واحد فقط، علما أن العمليات لم تتوقف إلى حدود نهاية مارس الجاري.

لماذا إقليم «بلوشستان» بالذات؟ الحرب أفقدت سكانه حياتهم وأمنهم وغذاءهم، علما أن الإقليم يملك خامس أغنى احتياطي في العالم من الذهب!

لكن ما يصيب بالدهشة فعلا أن المنطقة تتوفر على احتياطي مهم من النفط والغاز، ورغم ذلك فإن سكانها كادوا يتجمدون بردا خلال البرد الأخير، ولم تجد الأسر ما يكفي من الغاز لإبقاء منازلها دافئة.

ورغم أن منظمات إنسانية دقت ناقوس الخطر، وكتب صحافيون كبار من مختلف الجنسيات، وخاصة «ر. ج. گانجو» المتخصص في قضايا الأمن القومي في كشمير لأزيد من ثلاثين سنة، عن المآسي التي تقع في «بلوشستان»، إلا أن العالم لا يزال يفضل تغطية شمس الخطر بالغربال.

يونس جنوحي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى