شوف تشوف

الرأي

حتى لا يصيب الوباء العقول

صبري صيدم

يتحفنا في كل يوم عالم الفضاء الاجتماعي بنكات واسكتشات يقودها لنا من تتفتق عقولهم، وتثور قرائحهم بإبداعات فكاهية ظريفة، تخفف وطأة الوباء اللعين وأرقامه المحزنة، وضحاياه الكثر، وما ترتب على انتشاره من حجر منزلي دفع بمليارات البشر إلى منازلهم وبيوتهم، بحثاً عن التخلص الآمن من أصغر مكونٍ بيولوجي، بات يهدد أضخم مرتكزات البشر ومقومات حياتها.
ومع قناعتي بأن التهكم لا يجوز في زمن المحن، إلا أنني مقتنع، كما غيري، بأن كآبة الجو الذي يفرضه الوباء، تستوجب الخروج من دائرة الحزن إلى دائرة التفاؤل والترويح عن النفس، والصبر على الشدائد بالكوميديا والطرفة وخفة الروح.
لكن اجتهادات البشر لا تقف عند حدود الضحك والتنمر، بل تقفز إلى دائرة الاجتهاد، في طرح علاجات للمرض، ومكونات غذائية أو دفاعية مختلفة لمواجهته، وذلك عبر رسائل صوتية ومقالات إذاعية وتلفزيونية، ومقالات صحفية وحتى خواطر قصيرة تنتشر في الفضاء الاجتماعي ليجري تداولها بين الناس وكأنها قد جاءت من الكتب المقدسة. المحزن في الأمر أن البعض يستخدم لغة طبية معقدة، أو مفاهيم علمية لا يفهمها المتتبع البسيط، فتخطفه تلك المصطلحات والعبارات والتحليلات والاقتراحات، بصورة يشعر معها بأن ما يطرح إنما يحمل قدراً كبيراً من المسؤولية والمهنية والحرفية، وما هو في الواقع إلا اجتهادات لا قيمة لمعظمها، أو تضليلات صحفية، أو فرقعات إعلامية باهتة، هدفها إبراز الذات، أو الترويج لمحطة فضائية، أو مجلة أو جريدة، أو حتى قناة أو موقعٍ إلكتروني.
أخطر الاجتهادات هو اقتطاع مواد فيلمية من حروب سابقة، أو مشاهد من أفلام قديمة تضم صوراً لضحايا أو كوارث طبيعية أو صور تخص مرضى لا علاقة لهم بكورونا، بحيث تجمع المواد ليتم إصدار أفلام مختلفة تعطي الانطباع بأن المادة المطروحة إنما هي ذات مصداقية عالية. تجار الكذب في زمن كورونا لا يعرفون حدوداُ لأكاذيبهم واختلاقاتهم، حتى لو كلف الأمر حياة الناس وسكينتها ورشدها. فلو أن الأمة العربية امتلكت وحدها فعلياً ما رأيناه خلال الأشهر الثلاثة الماضية من خبراء الأوبئة والأمراض الجرثومية والحرب البيولوجية، لما واجهت البشرية ما واجهته من كوارث وضحايا، فاقت المئة ألف إنسان حول العالم، وإصابة ما يقترب من حاجز المليون ونصف المليون إنسان بالوباء اللعين حتى تاريخه. وحتى لا يكون كلامي في إطار الوعظ الفكري والرياضة الكلامية المفعمة بالاتهامات، أو الانطباعات، فقد قررت شخصياً اختيار مقاطع فيلمية وتقارير طبية وتسجيلات صوتية، بلغت في مجموعها عشرين مقطعاً وتقريراً وتسجيلاً، وأرسلتها لأصحاب الشأن من المختصين، لإبداء الرأي، ليتضح حجم الكذب والتضليل، أو انعدام الدقة وهو ما طال 80% من تلك المادة!
علينا أن نتسلح جميعاً بالوعي، ولا نصغي للتفاهات المغلفة بمصطلحاتٍ علمية منمقة، كما أن علينا أن نتابع تقارير الجهات المختصة حول العالم، من حيث طبيعة الوباء وتغيره، والعلاجات المقترحة وسبل الوقاية وما يرتبط بهذا الشأن من الألف إلى الياء. علينا أن نستعجل في تطهير عقولنا من الركض وراء كل ما يلقى علينا، وإلا سيصل الوهم والوباء إلى عقولنا قبل صدورنا ونصبح نحن ضحايا فيروس الكذب لا فيروس كورونا. إن الاتجار بمعاناة الناس يرتقي لكونه جريمة ضد البشرية، خاصة أن الوباء قد تجاوز كل الحدود الجغرافية، وطال كل الأعراق، جريمة تتخطى كل الحدود، وهو أمر يحتاج في عالم العولمة إلى مراجعة جدية لا بد أن تصل إلى عقاب المدعين وكل من يقف وراءهم من تجار الكذب والافتراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى