حتى لا يتحول إلى مؤسسة صورية
على مدار 44 عاما، ومنذ سنة 1979، تاريخ إحداث المجلس الأعلى للحسابات، وهو يقدم تقاريره السنوية بشأن أوجه صرف المال العام وقوانين المالية، وقياس نجاعة السياسات. ومنذ ذلك الحين، ما زال السؤال مطروحا حول الجدوى من وجود تقرير لمجلس الحسابات دون وجود محاسبة واسعة وشاملة!!
والسؤال الذي يكرر نفسه مع إصدار كل تقرير سنوي للمجلس الأعلى للحسابات هو ما مصير المسؤوليات التقصيرية التي يسجلها تقرير قضاة المال العام على الأحزاب السياسية والسياسات العمومية والقطاعات الحكومية على الرغم من أن بعض التجاوزات المتكررة قد تصل إلى درجة هدر المال العام؟
فالأصل أن الترتيبات الطبيعية للتقرير السنوي ينبغي أن تتحول إلى إجراءات عقابية سواء بإحالة كل المخالفين على القضاء لينالوا العقاب أو عزل المسؤولين عن تعطيل الاستراتيجيات العمومية ليكونوا عبرة لغيرهم، وفي الوقت نفسه لضمان عدم العودة إلى النتائج نفسها كل سنة. لأنه يحز في الصدر أن يصل قضاة المال العام، على سبيل المثال، إلى تشكيل قناعة بأن وزارة الصحة وضعت منذ 2012 سياسة دوائية وطنية من أجل تحقيق الأمن الدوائي، إلا أنه لم ينفذ منها أي شيء ولم توضع لمدة عشر سنوات إجراءات ومخططات لتنفيذها مما أدى إلى فشلها، دون أن يستتبع ذلك أي مساءلة من أي نوع.
والخوف هنا أن تتحول تقارير المجلس الأعلى للحسابات إلى ما يشبه نار إبراهيم التي لا تحرق أحدًا، بل ستشجع تلك التقارير على التطبيع مع التجاوزات وكأنها تقارير عادية يصدرها أحد مراكز دراسات وليست منتوج مؤسسة دستورية تتربع على هرم القضاء المالي.
طبعا لا توجد حلول سحرية للقضاء على الفساد وسوء التدبير وكل أوجه تقصير المسؤولين العموميين، لكن هناك شيئا اسمه تفعيل الرقابة المالية للمجلس الأعلى للحسابات، من خلال تحويل التقارير السنوية إلى سلاح فعال لمساءلة ومحاسبة المسؤولين عن القرار العمومي، سواء الذين لا زالوا يمارسون مهامهم أو أولئك الذين انتهت مدة انتدابهم.
هذا أقل ما يمكن أن يقوم به المجلس حتى لا يتحول إلى مؤسسة صورية.