يونس جنوحي:
في كل رصيف تباع فوقه الكتب، وفي كل مكتبة، لا يمكن ألا تجد رائعة «مزرعة الحيوان» للكاتب الشهير «جورج أورويل» وبأكثر من لغة. الأمر نفسه ينطبق على روايته الأخرى التي لا تقل شهرة «1984».
أغلبنا اطلع على هذه الأعمال من خلال المواد المقررة، خصوصا في المرحلة الجامعية، حيث كانت حصص تحليل الروايات في مدرجات كليات الأدب تشبه حصص التشريح في تخصص الطب والبيولوجيا.
لكن ما لا يعرفه الكثيرون، بالتأكيد، أن هذا الكاتب العالمي الذي تُرجمت كل أعماله إلى كل لغات الأرض، زار المغرب سنة 1938، أي خلال مرحلة الحماية، وتجول في مراكش.
لماذا لم يُسلط الضوء على رحلة أحد أشهر كُتاب وأدباء القرن العشرين إلى المغرب؟ لو كان الأمر يتعلق ربما ببلد آخر لكان الفندق الذي أمضى فيه «أورويل» ولو ليلة واحدة واحدا من أشهر الوجهات السياحية لمُعجبي الأدب العالمي، لكن بما أن الأمر يتعلق بالمغرب، فحتى لو حُددت أماكن إقامة «أورويل» خلال مقامه بين المغاربة، فإنها لن تحظى بما يلزم من عناية.
عالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي ربما تكون أول من انتبه إلى أن «أورويل» زار المغرب، وقد اطلعت على الأرشيف وكتبت أن هذا الكاتب لم يكن عنصريا وإنما كان ضحية الفرنسيين الذين زودوه بمعلومات خاطئة عن المغرب، ونقلها عنهم رغم أنه كان بمقدوره التجول بين المغاربة والتعرف عليهم عن قرب. وربما ضاعت علينا فرصة أن نكون مسرحا لأحداث رواية ما، ربما يكون الاستعمار قد أجهضها.
تقول فاطمة المرنيسي إن زيارة «أورويل» إلى المغرب كانت مثالا على صعوبة أن تكون سائحا في بلد عربي مسلم خلال سنة 1938.
لكن لم تكن تلك وضعية سياح آخرين عالميين بدورهم، نجحوا فعلا في معرفة المغاربة عن قرب وكتبوا عن الحياة في المغرب بكثير من التأثر، خصوصا باللغتين الإنجليزية والإيطالية، ولم يكونوا عنصريين بنفس حدة الكتاب الفرنسيين.
جورج أورويل، الذي كان مشهورا بعينه الثاقبة وتحليله الخطير للمشاهد، كان بمقدوره أن يتعرف على المغاربة عن قرب، لكنه لم يبذل أي جهد أبدا، بل بقي حبيس غرفة الفندق ولم يتواصل إلا مع الفرنسيين الذين زودوه بما يريدونه هم من معلومات، وهذه سقطة كبيرة لكاتب من عيار نادر. قالت المرنيسي، في مقالها، إن «إقامة جورج أورويل في مراكش كانت فاشلة بسبب عدم قدرته على التواصل مع المغاربة».
قد يكون هذا الكاتب لا يحمل ضغائن ضدنا عندما زار المغرب، لكنه أيضا لم يُبد أي تقدير أو تأثر، على عكس آخرين أحبوا المغرب وعبروا عن هذا الأمر في كتبهم.
قالت المرنيسي، أيضا، إن هذا الكاتب كان معزولا. وهذا يعني أنه مورست عليه رقابة كبيرة خلال زيارته إلى مراكش، رغم أنه كان يساريا وثوريا وضد الأنظمة الاستعمارية والشمولية.
لكن قناعاته التي اشتهر بها ووظفها في رواياته التي تعتبر من بين الأكثر مبيعا في العالم، بقيت تنتظره في الباخرة إلى أن انتهت زيارته إلى المغرب.
هذا الكاتب الإنجليزي، الذي كان مدافعا دائما عن الديمقراطية وجعل المساواة والقيم الاجتماعية رسائل أساسية في أعماله الأدبية، لم يمارس وظيفته ككاتب، وتجرد منها عندما زار المغرب.
أجدادنا سخروا من هذه المفارقات العجيبة، وقالوا قديما ما مفاده أنه يتعين على الإنسان أن يطبق ما يقوله «لفْقيه» فقط، وليس ما يقوم به أيضا.
الأمر نفسه ينطبق على أشهر كاتب في القرن العشرين. ما كتبه في رواية «مزرعة الحيوان»، التي اعتبرت من روائع القرن الماضي في الأدب، لا يمت بصلة أبدا لما قام به في مراكش. فقد كان هو وقلمه في عطلة، رغم أنه كان أمام فرصة تاريخية لكي يحارب الظلم وجرائم الاستعمار من قلب الحدث.