جواسيس غيروا مسار العالم
إعداد : سهيلة التاور
لطالما كان التجسس من الأسلحة التي تستخدمها كل دولة في الحالة الدفاعية والتأهب لحماية نظامها وسلامها الداخلي وكذا الخارجي. غير أنه يمكن أن يستخدم في اتجاهين يختلفان عن بعضهما كل الاختلاف. حيث قد يساء توظيفه ليساعد على تفكيك الأنظمة، الإطاحة بقطب معين، تدمير مجال محدد، اغتيال مسؤول ما.. وهناك مجموعة من الجواسيس الذين سطعت أسماؤهم على مر العصور وظلوا في ذاكرة الأجيال نظرا لدقة عملهم ومكرهم.
كيلمان.. العميل السري لبونابارت
بعد اختيار بونابارت في مارس 1796 لتقلد منصب جنرال القوات المسلحة في الألب، اعتقد مجلس الإدارة أنه وجد الرجل المناسب صاحب مجموعة من المواهب السياسية الذي يحسن استخدامها أكثر من أي شخص آخر. وفي ماي، تم تعيين ضابط جديد بالقرب منه، البارون الإيرلندي شارلز كيلمان. هذا الرجل الناري ازداد سنة 1751 في دبلن، ثم بعث إلى المنفى مثل عدد كبير من زملائه، الذين كانوا ينددون بنظام الجمهورية بدلا من النظام القديم. ونظرا لتشبعه بروح المواطنة ووفائه لفرنسا، دخل في صراع مع العدو الإنجليزي.
وبدون أي تردد اختاره بونابارت بدوره ليكون رفيقه الموعود، حيث اقترح عليه في ميلان أن يستلم إدارة خدمته المخابراتية التي أسسها بجميع وحداتها تحت اسم «مكتب الشؤون السرية». فقبل العرض المقدم إليه، وعلى هذا الأساس تم تسليط الضوء كذلك على لندن، فيينا، عاصمة العدو النمساوي، في الجبهة الإيطالية وفي باريس لجمع المعلومات السياسية الضرورية لنجاح مسيرة المهنية للرئيس الجديد. الإيرلندي عين هو كذلك مساعده لإنجاز مهامه، فاختار المعاون جون لوندريو، فارس الذي أظهر جرأته عندما قاد وحدة هجومية خطيرة لـ«القوات الخاصة». لكن هل كان التجسس جيدا مع هؤلاء؟ هذا ما لا يعتقده بونابارت، المقتنع جدا بالبعد الذي يحتله التجسس في مسيرته المهنية، حيث داخل فريق كيلمان قرر لوندريو إبلاغه عن جميع الجهات. ولكن هل يمكنه أن يقدم له معلومات عن رئيس أركان الدولة للقوات المسلحة الإيطالية لويس بيرتيي مثلا؟ اثنان من مرؤوسيهم، ساليستي وبورو، كانا يسيران لجنة الشرطة في ميلان. وعندما كان مقررا أن تقام التحضيرات في ما يخص مناسبة لفيرون يو كونت دو بروفانس، وريث عرش فرنسا بعد وفاة لويس الأصغر السابع عشر، لم يتردد الصديقان، حيث خاضا المهمة بمعية نمساويين انتحلا الشخصية ينتميان للمكتب السري، إلا أنها فشلت أمام التدابير المضادة المتخذة من طرف الجهة المعارضة. وفي المقابل استطاعوا توفير معلومات لبونابارت عن مخططات فيلدمارشال داغوبيرت سيغموند فون وورمسير، قائد جيش إرلندي مكون من 50000 رجل موجهين لتلبية المبادرة على الجبهة الإيطالية والتي اعتبرت معلومات من الطراز العالي.
عندما ضلل النازي جيوبيل ستالين
في ماي 1941، اضطر هتلر إلى الذهاب لمساعدة حليفه موسوليني، المتخلى عنه من طرف المقاومة الإغريقية، كما أوضحت ذلك عملية «ميركور» (هجوم جوي ألماني على جزيرة كريت التي كان يدافع عنها 26000 جندي نيوزيلندي) والتي ذهب خلالها عدد كبير من الأرواح الألمانية: قتل من 4000 إلى 5000 جندي مظلي. ولزيادة هذا الفشل سوءا، حذرت البحرية الملكية بإخلاء 12000 نيوزيلندي. ومع الارتباط الوثيق مع العمليات الموجهة لستالين، يرى جوزيف جيوبيل، المروج للدعوة النازية، رغم كل هذا، أن الحزب أطلق النار بهدف التضليل لعملية مأساوية للقوات المسلحة الألمانية، حيث كتبت جريدة يومية بقلم فولكيشر بيوباشتر أن ستالين وهتلر لم يكن لديهما أي نية للهجوم، كانا فقط يريدان أن يوجها الهجوم على تشرشل وحلفائه الإغريق، حيث إنه في 13 يونيو، تسعة أيام قبل غزو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، تم انتشال نسخ فولكيشر بيوباشتر التي تحتوي على الورقة المعنية من أكشاك برلين من طرف الشرطة، إلا أن عددا قليلا منها تم تداوله بين الناس، والذي قيم بالذهب آنذاك. فبعد ذلك، لم تتكلم الهيئة الصغيرة للسفارات الخارجية في العاصمة الألمانية بتاتا عن «غلطة» جيوبيل، هذا المعتوه الذي قدم معلومات قيمة للإنجليز عن كيفية استعداده للهجوم عليهم. ومن هنا تم استخلاص ما يلي: أن هؤلاء النازيين الذين كنا نعدهم من الأذكياء والمهنيين الأدق على الإطلاق، أظهروا أنهم من الهواة فقط، خصوصا أن هتلر استمر في التخطيط للهجوم على بريطانيا العظمى. ورغم هذا كله قام الفاشيون بتحضير عملية عسكرية شاملة، ولكن المستهدف فيها هنا ليست بريطانيا الكبرى بل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
ستالين الذي لا يثق بأحد، وثق بهتلر، رغم أنه كان ينتابه شعور بالقلق تجاهه، ولكن لأنه مهووس بحالة عدم الاستعداد العسكري للاتحاد السوفياتي، والذي يعتبر هو المسؤول عنه إلى حد كبير، كان يرفض النظر إلى الواقع أمامه. وتشرشل الذي لم يصبر على انهيار المقاومة السوفياتية في اليوم الأول من الغزو، ترك بريطانيا تحارب، من جديد، ألمانيا. وهو شكل من أشكال الابتزاز الإمبريالي. الوزير المنتدب للشؤون الخارجية الأمريكية، بينجامين سامنر ويلز، أخبر القنصل الروسي في واشنطن منذ يناير 1941 لإثارة الغضب..
وبينما كانت طائرات التعرف الألمانية قد شرعت في التقاط صور لنقط الهجوم المرتقبة، صدر الأمر بعدم إطلاق النار إلا في حال المبالغة من طرف ربان الطائرات للقوة الجوية «لوفتواف» الألمانية بخوض المغامرة داخل الفضاء الجوي السوفياتي. ولإكمال ما بدأه، بعث هتلر، يومي 31 دجنبر 1941 و14 ماي 1941، رسالتين شخصيتين إلى ستالين يخبره فيهما أنه يركز اهتمامه العسكري على غرب أوربا ليس ضد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.. ولكن فقط بهدف حمايتهم وإبقائهم بعيدا عن خطر التفجيرات الوقائية للقوات الجوية البريطانية. وفي أواخر يونيو، سيقسم له أنه سيشن الهجوم ضد بريطانيا العظمى.
في 22 من يونيو لسنة 1941، عندما أطلق فرقته المدرعة وقواته الجوية ضد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، استطاع هتلر أن يحقق النجاح التام لعملياته لـ11 ماي مع إخفاء تدابير التضليل الاستراتيجية تجاه ستالين.
«هوليود» ضد النازية
أحد المظاهر الأكثر إثارة للاستغراب في العمل السري في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، الدور الذي تسابقت عليه السنيما. نعلم مسبقا أن جون فورد كان ينتمي إلى «مكتب الخدمات الاستراتيجية، المؤسس من طرف ويليام دونوفان». لكن إقحام العالم الصغير الهوليودي للشاشات الكبيرة لا يتوقف هنا. نأخذ مثلا إيرول فلين، بالنسبة للـ«FBI»، القضية مغلقة: روبن الذي يعيش في الغابة والذي سطع في الشاشات الكبيرة والصغيرة، اتضح أنه مثلي الجنس. علاوة على ذلك، يعتقد المكتب الفيدرالي للتحقيقات بأنه من المتعاطفين مع النازية. وكل هذا بسبب صديقه النمساوي هيرمان إيربين، الذي التقى به سنة 1993 في كاليدونيا الجديدة، والذي كان في الواقع هتلر. وما يجهله هووفر ورجاله «G-Men»، هو أن فلين كان يشتغل في الحقيقة منذ وقت طويل لحساب دونوفر، والذي فكر، في يناير 1942، أن يرسله للقيام بالدعاية ضد النازية في دولته الأم إيرلندا، قبل أن يغير رأيه: فالممثل سيكون أكثر فائدة لقضية الحلفاء إذا لعب دورين في آن واحد لحسابها..
غريتا غاربو، النجمة السويدية الساطعة في الشاشة الكبيرة، والتي لعبت دورا مهما في عمليات كبرى للـ«SOE» (العمليات التنفيذية الخاصة، خدمة العمل البريطانية، مسؤولة عن مساعدة حركة المقاومة في أوروبا القارية): تدمير المخزون النرويجي من الماء الثقيل، والذي كان يعتبر ضروريا في تصنيع القنبلة الذرية. ففي الفصل الأول من سنة 1942 بدأ عمالقة الرايخ الثالث (ألبيرت سبير، وزير التسلح، إيرارد ميلخ، رئيس القوات الجوية، فيرديناند بورش، الجنرال فريدريخ فروم، المارشال إيميل ليب، الأميرال كارل ويتزيل) بالاهتمام بإمكانيات استعمال الانشطار النووي لصنع سلاح جديد. فلحماس ويرنر فون برون، المتخصص في الصواريخ، استجاب عزوف ويرنر هوزنبورغ، الفيزيائي الأكثر تألقا في ألمانيا، والذي حصل على جائزة «نوبل» سنة 1932. من المؤكد أن الأمر سيأخذ شيئا من الوقت وسيكون مكلفا جدا، وهو الشيء الذي أكده هوزنبورغ بشكل جدي خلال مؤتمر القمة الذي أقيم يوم 4 يونيو 1942، قبل أن يُطلب من ألبيرت سبير، مبلغ زهيد لأبحاثه في هذا الصدد مما أثار سخريته.
قررت غريتا غاربو أن تشتغل ضد ألمانيا التي يتزعمها هيتلر. فاختارت أن تقتحم محيط الملك غوستاف الخامس بشكل سليم، فالنجمة تجمع المعلومات حول مقابلات هوزنبورغ مع أستاذه الدانماركي نيلز بوهر، الذي حصل على جائزة «نوبل» في الفيزياء سنة 1922، في كوبنهاغن. وأكدت أن الألمان وكذا الروس، الشيء الجديد، يريدون أن يحصلوا على أكسيد الديوتيريوم الموجود في النرويج، وبعبارة أخرى المياه الثقيلة. الشيء الذي أثار اهتمام رونالد تورنبول، علمي متخصص في مفوضية بريطانيا الكبرى في ستوكهولم، والتي تراقب عمليات مكتب العمليات الخاصة في الدانمارك، ورئيسه الذي كان يمتاز بإيمانه القوي بالتراتبية، هيلتون الرئيسي، رئيس مجموعة الخدمات الدانماركية. العلاقات بين مكتب العمليات الخاصة «MI6» جد جيدة على الجبهة الاسكندنافية، فلذلك، وبدون أي شك، كان تورنبول يعرف، منذ أكتوبر 1941، أن العالم النرويجي، ليف ترونستاد، أطلق فكرة عملية فدائية لتدمير مخزون المياه الثقيلة المتوفرة في البلاد. مضيفا إلى ذلك المعلومات المقدمة من طرف غريتا غاربو (بفضل قبولها للعب دورين في آن واحد)، مع المعلومات التي تم تجميعها من طرف المجموعة النرويجية لـ«MI6» التابعة لإيريك ويلش.
«في أكتوبر 1942، وبفضل المعلومات التي استقتها غريتا غاربو، أطلق الحلفاء العملية الفدائية «فريشمان»، الموجهة لتخريب المجمع الهيدروكهربائي في فيمورك، حيث تخزن المياه الثقيلة النرويجية الثمينة. العالم نيل بوخ، رحل من البلاد في شتنبر 1943، شهرين بعدما قامت الـ 154 طائرة غابوية التابعة القوات الجوية للولايات المتحدة بتفجير المصنع».
«فارويل».. رائد التجسس العلمي
ازداد «فارويل» في أكتوبر سنة 1932 داخل عائلة من العاملين من مدينة موسكو، فلاديمير فيتروف، المواطن الاسكندنافي المثالي، الذي التحق بـ«المنظمات» سنة 1959 للوصول إلى رتبة الملازم الأول ـ العقيد بالخط «T» (التجسس العلمي والتكنولوجي) نظرا للتأخر الذي كان يغوص فيه اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في هذين المجالين اللذين يعتبران مفتاح التطور الاقتصادي. ففي سن الـ54 استطاع الوصول إلى السلطة، وبدأ بعض المسيرين فهم فكرته القائمة على وجوب إدخال الحداثة وإلا سيكون الموت محتما. حيث إن الفترة التي قضاها في باريس منذ غشت 1965 إلى يوليوز 1970، وفرت له معنى آخر للنظام القديم الذي يقوم على البيروقراطية والرشوة، وأصبح، بالنسبة له، يقوم على مبادئ مجتمع الاستهلاك. ففي 1988، قام بتحضير تقرير تحت إشراف مسؤوليه، الذين اقترحوا عليه للمزيد من الفعالية، وذلك لأن لا أحد آنذاك كان يبالي بما يصنعه وبأفكاره. ولهذا اتجه للفرنسيين الذين أبدوا، على الأقل، شيئا من الاهتمام لما كان يصرح به في ما يخص النظام ووصفه للقنبلة الضخمة التي تخزن أسرار العالم الغربي، والتي هي الخط «T». والإشكال الذي كان حاضرا هو كون وظائفه لا تخول له معلومات حول من الذي يسير قطب «SDECE» في موسكو. فكتب في أكتوبر 1980 رسالة أرسلها إلى بودابيست للعنوان الشخصي لجاك بريفوست الذي تعرف عليه بباريس كمسؤول عن العقود مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وبعدها في دجنبر 1980 أرسل الرسالة المقلقة التالية: «إنها مسألة حياة أو موت»، ثم كلمه عن طريق هاتفه الشخصي من موسكو. هذه المرة، أخبر بريفوست على سبيل الصدفة المحقق ـ الرئيس بيرنارد روولت الذي يشتغل لحساب تومسون «CSF» التابع لـ«DST» (مديرية مراقبة التراب الوطني). وبخلاف كل القواعد، قررت هذه الأخيرة أن تخرج من الدور المضاد للتجسس الداخلي الذي تلعبه لتعالج بنفسها القضية التي تدخل في نطاق «SDECE».. فكلفت الأركان المسلحة الجنرال جينو لاكاز. وفي 1982، وبعد الاحتفال الذي أقيم بالإيليزي، التقى المفوض رايموند نارت خلسة بالرئيس ميتيروت، والذي أوضح له آنذاك بعض الإنجازات التي قام بها «فارويل»، الاسم المستعار لفيتروف، والتمس منه الموافقة على إنهاء العمل الذي شرع فيه دون إخبار «SDECE». وعلى هذا الأساس قام «فارويل»، بعد أن جهز بكاميرا خفية، بتوفير لـDST» و«CIA» (وكالة المخابرات المركزية) نظرة شاملة مدققة لطريقة اشتغال «KGB» بالخط «T» والطريقة التي تخطط بها للتجسس التكنوـ علمي. وبالتالي استطاع فيتروف إعطاء نظرة جديدة للحالة الحقيقية للاقتصاد السوفياتي داخل قوائم اللجان المطلوبة لدى «KGB»، والتي تترجم العاهات المجهولة. هذه العاهات التي قادت غورباتشوف في وقت لاحق إلى خوض محاولته الميؤوس منها لإنقاذ النظام بتحديثه بشكل سريع.
«استعملت الخدمات السرية الأمريكية «فارويل» للتجسس على الإدارة «T» عن طريق نقل مجموعة من المعلومات الخاطئة موجهة لتسريع تفكك الاقتصاد السوفياتي. فيتروف، تم توقيفه بعد ذلك.. بتهمة قتل عشيقته. خلال فترة اعتقاله، تم اكتشاف دور التجسس الذي كان يلعبه من طرف «KGB»، ليتم ترحيله إلى معسكرات العمل ثم تنفيذ حكم الإعدام فيه في يناير 1985، وذلك بعد أسابيع قليلة من وصول غورباتشوف إلى السلطة..
سنودن يتحدى المخابرات
ملأ إدوارد سنودن الدنيا وشغل الناس منذ كشفه برنامجا تجسسيا سريا للحكومة الأمريكية لمراقبة اتصالات الهواتف والإنترنت، أو ما يعرف بـ«بريزم». وبات المحلل الأمني السابق المطلوب الأول لواشنطن بعدما وضعته على لائحة «فاضحي أسرار أمريكا»، حيث زعزعت الوثائق التي سربها لوسائل الإعلام ثقة الشعب الأمريكي في إدارة الرئيس باراك أوباما».
ولد سنودن في 21 يونيو 1983 وترعرع في منطقة «إليزابيث سيتي» التابعة لولاية كارولاينا الشمالية، وانتقل مع عائلته في وقت لاحق إلى منطقة ماريلاند قرب المقر الرئيسي لوكالة الاستخبارات المركزية (سي أي أي)، ويقول إنه لم يشعر خلال نشأته بأن «الحكومة الأمريكية يمكنها أن تشكل تهديدا لقيمه السياسية».
وأقر المحلل السابق للمعلومات لدى «سي أي أي» ومسؤول النظم بمنشأة تتبع وكالة الأمن القومي الأمريكية، بأنه لم يكن من الطلبة المتميزين خلال مرحلته الدراسية، ولكي يحصل على علامات تؤهله للحصول على شهادة الثانوية العامة، التحق بكلية مجتمع في منطقة ماريلاند ليدرس علم الكمبيوتر، لكنه تركها وحصل على شهادته في وقت لاحق.
التحق سنودن بالجيش الأمريكي عام 2003 وخاض برنامجا تدريبيا للالتحاق بالقوات الخاصة، وقال إنه كان ينوي المشاركة في القتال بالعراق، «لأنني شعرت بمسؤوليتي الإنسانية التي حتمت علي مساعدة تحرير الناس من العيش تحت الاضطهاد». وأضاف أن «معظم المدربين في البرنامج كانوا متحمسين لقتل العرب وليس لتحرير أي منهم»، لكن تم تسريحه من البرنامج عندما كُسرت كلتا رجليه خلال التدريب.
«حصل سنودن على أول وظيفة له في مكتب وكالة الأمن القومي، وعمل في البداية حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة للوكالة في جامعة ماريلاند، ومن هذه الوظيفة انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني».
كشف الأسرار
وبعدها حصل سنودن على أول وظيفة له في مكتب وكالة الأمن القومي، وعمل في البداية حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة للوكالة في جامعة ماريلاند، ومن هذه الوظيفة انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني، وبمعرفته الموسعة بالإنترنت وببرمجة الكمبيوتر تمكن من التقدم بسرعة في وظيفته بالنسبة لشخص لم يحصل على شهادة ثانوية.
وانتقل سنودن بعدها للعمل مع بعثة دبلوماسية في العاصمة السويسرية جنيف، حيث تولى مسؤولية الحفاظ على أمن شبكة الكمبيوتر، مما أتاح له الوصول إلى مجموعة كبيرة من الوثائق السرية.
ومع الكم الهائل من المعلومات التي وصل إليها، واختلاطه بعملاء وكالة الاستخبارات، بدأ سنودن بعد ثلاثة أعوام بالتفكير بمدى صحة ما يقوم به وما رآه، وفكر في الكشف عن أسرار الحكومة حينها. لكنه توقف لأمرين: أولهما أنه لم يرد أن يكشف معلومات عن أشخاص ممن كانت الاستخبارات تراقبهم، ولم يرد أن يورطهم في الموضوع، والثاني أن فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية عام 2008 منحه الأمل في تحقيق إصلاحات في المستقبل.
غادر سنودن وكالة الاستخبارات عام 2009، ليعمل مع متعاقد من القطاع الخاص للتعاون مع وكالة الأمن القومي في قاعدة عسكرية باليابان، وفي الوقت الذي رأى فيه عدم وجود «تغييرات» في حكومة أوباما، قرر أنه «لا فائدة من الانتظار ليقوم الغير بدور القيادة»، وخلال الأعوام الثلاثة التي تلتها أدرك سنودن أنها كانت مسألة وقت قبل أن يعمد إلى كشف كل شيء.
صراع دولي
وأشار الشاب إلى أنه كان يعمل براتب جيد يصل إلى مئتي ألف دولار سنوياً، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي الأمريكية، ولكنه «مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس يشكل تهديداً حقيقياً للديمقراطية التي ننادي فيها ببلادنا». وعند سؤاله عما إذا كان خائفاً، قال: «أنا لا أخاف من شيء لأن هذا كان قراري»، ولكنه يخاف «أن تتعرض عائلتي للأذى».
وفي ماي 2013 تقدم سنودن بإجازة من عمله بزعم أنه بحاجة لعلاج من مرض الصرع، وفي العشرين من الشهر نفسه هرب سنودن الذي يواجه اتهامات بالتجسس في بلاده من أمريكا إلى هونغ كونغ بعدما سرب تفاصيل برامج المراقبة السرية لصحيفتي «الغارديان» البريطانية و«واشنطن بوست» الأمريكية، ثم سافر بعدها إلى موسكو.
وأصبح مصير سنودن بؤرة صراع دولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا التي قدم طلب لجوء سياسي إلى حكومتها، كما تنظر حكومة الإكوادور في طلب لجوء آخر تقدم به.
ولم تقتصر تداعيات الوثائق التي سربها سنودن على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وخصومها الخارجيين، بل أثارت عاصفة من ردود الفعل الداخلية، واستغل نواب جمهوريون في واشنطن قصة سنودن لتصوير أوباما على أنه زعيم غير كفء على صعيد السياسة الخارجية. وقال جمهوريون ينتقدون الرئيس إن الضجة بشأن سنودن علامة على ضعف أوباما والمكانة الدولية المتراجعة، وأن روسيا تستغل الولايات المتحدة.