شوف تشوف

الرأي

جنازة جامعة الدول العربية (1/2)

الجامعة العربية لا تموت حاليا؛ بل هي ميتة منذ ولادتها والإعلان عنها، فعلينا المشاركة في الغسل والتكفين والمشي في جنازتها فقد فاحت رائحة الجثة.
الجامعة العربية لم تفعل شيئا خلال كل الفترة السابقة سوى اجتماعات تنتهي ببيانات فارغات، لا يصدقها من كتبها، تنشر في جريدة رسمية، لا يقرؤها أحد، ولا يهتم المواطن بتتبع أخبارها؛ فهو لا ينتسب لعالمها.
إنه كلام صادم مزعج ولكن هذه هي طبيعة الحقائق، مؤلمة صادمة مزعجة، ولذا نصح تشرشل منذ أيام الحرب الكونية أن تغلف الحقائق دوما بقمصان من الكذب.
كانت اللقاءات سرية مغلقة في قسم كبير منها، حتى يتم الشجار بين أعضائها خفية عن الشعوب، ولما نقل بعضا منها كانت مناظر من الخجل تعري السياسيين، أنهم لا يختلفون في كثير عن سائقي الشاحنات وبائعي الخضار، باستثناء أن الباعة والسائقين يفيدون العباد، أما السياسيون فيتاجرون بدماء المساكين الكادحين المتعبين من العالم العربي، المريض إلى درجة فقر الدم والمنجلية والسل.
إن كان ثمة فائدة في اللقاءات فهي سيارات فارهة، وفنادق فاخرة، وحرس مدجج. وفي مشي على سجاد أحمر، وكراسي وثيرة، وزرابي مبثوثة، ومشروبات مرطبة كأسا دهاقا، وعلاوات جيدة، وتعويضات مثيرة تنفخ الجيب. وربما ألوان من التآمر؟
الجامعة العربية ولدت ميتة منذ أول لحظة، كما هو الحال في عدم اكتمال الخلق، ولذلك فهي كائن له صورة بدون روح وحركة.
في الطب يعرفون فرق الحياة عن الفيزياء، أن الحياة فيها مزايا من التنفس والحركة وإيجاد نفسها، أما النبتة فهي تشق الصخر وتوجد لها بنين وبنات، أما الفيزياء فتحكمها قوانين العجز والقصور الذاتي، بمعنى أن حجرا لو وضع في مكانه ألف عام ما تغير ولا تحرك، كما لم نسمع عن حجارة ولدت أبناء لها، إلا ما جاء في نوادر جحا الكبرى عن (الطناجر) فقد استعار يوما صحونا وطناجر من جاره، ثم أعادها له وقد ازداد عددها ففرح صديقه بذلك؛ فلما سأله كيف حصل هذا؟ قال ما شاء الله طناجرك ودودة ولودة. فرح الرجل بخصوبة طناجره، ولكن المفاجأة كانت كبيرة في الاستعارة الثانية حين لم ترجع قط، فسأل جحا عنها قال لقد ماتت؟ فهذه صفات الكائنات الحية تولد وتموت، فمن صدق بولادة الطناجر عليها أن لا يحزن لوفاتها بل يتوقع ذلك في كل لحظة. كذلك سرى حكم التاريخ على منظمة جامعة الدول العربية، التي تشبه قطعة الحجر خلقت ميتة، وأعطي لها اسم، وهي لا تمت بنسب للحياة، فهذه فلسفة مهمة لفهم البحث.
المنظمات والمؤسسات تولد حين يكتمل خلقها، مع ذلك قد تحمل المرأة وهما؛ فينتفخ بطنها لتكتشف لاحقا أنه لا يزيد عن غاز نفخ الأمعاء. ومن الجمعيات من تولد (طرحا) غير مكتمل؛ فلا يتابع الحياة؛ فهذا معروف في الخلائق من القطط والأحزاب، ولذا قال القرآن عن أمثال هذه المخلوقات أنها أسماء وليست حقائق، وفي أوساطنا يعشق الناس المظاهر، ويغفلون عن الحقائق، بل ويسمون الطفل قبل ولادته، ليعرفوا أنه لا يستحق الحياة فضلا عن حمل اسم له، كذلك فإن الدول والحضارات تخرج من رحم الزمن فتعيش بقدر ومقدار، فالمماليك صمدوا في مصر أربعة قرون، ودولة بني عثمان كادت أن تهلك في معركة أنقرة عام 1402م، ثم تابعت الحياة حتى سلمت الروح عام 1924م حين وزع أتاتورك أوراق النعوة، وقام بمراسم الدفن للخلافة الإسلامية، التي تحاول داعش اليوم نفخ الروح فيها.
ومن الجمعيات من تولد وهي ميتة، كما يحصل مع كثير من الولادات والأم لا تصدق ذلك فتحافظ عليه حتى تفوح رائحته ويتغير شكله فتضطر إلى دفنه وهي لا تصدق. هنا يكون القبر سترا والموت رحمة، وكذلك الحال مع جامعة الدول العربية التي يجب أن تدفن بخشوع وبدون دموع.
سألني جاري النشيط (سي محمد) في مدينة الجديدة عن اعتذار المغرب عن استضافة اجتماع جامعة الدول العربية في شتاء 2016م. قلت له في تقديري أن جامعة الدول العربية منظمة ميتة، كما هو الحال في قبر (الشافعي) وقبر (الست زينب) فيكتب الناس الأوراق لهم، ويعلقون الأشرطة على أضرحتهم، ويتمسحون بالحجارة وقضبان الحديد التي تطوق مراقدهم الأبدية، ويلهفون بالدعاء لامرأة تريد الحبل، وآخر أن يعود ولده من قبو المخابرات البعثية العبثية، وثالث يطلب وفرة الرزق وانقشاع أزمة دين، ورابع يدعو لابنته المصابة بالتوحد أن يردها الله إلى حظيرة الإنسانية.
هل يجيب قبر الشافعي أو قبر الست زينب أو قبر الست (رقية) التي كشف عناصر حزب الله مؤخرا عنها في (داريا) فهم يقتلون الأطفال السوريين باسمها في الغوطة؟ هل تستجيب هذه القبور بأي شيء؟
أذكر جيدا من فيلم فرنساوي مثلته (باتريشيا كاس) و(جيريمي أيرون) بعنوان سيداتي سادتي (ladies Gentlemen).. وكيف اجتمعا بمحض الصدفة في (فاس) في المغرب وكلا منهما مصاب بضربات من فقدان الذاكرة. أما السيد (أيرون) فقد خضع لعملية جراحية في المخ بسبب الورم، أما السيدة (باتريشيا) فأخذتها النادلة المغربية في الفندق إلى (راقية) تقرأ على الرأس للشفاء؛ فنصحتها بالذهاب إلى (للا شافية).
فعلا ذهبت الممثلة (كاس) إلى قبر الولية الصالحة (للا شافية) كما يسمونها في المغرب، مرورا بسيدي يعقوب حيث يستحم القوم قريبا من (فاس) بالمياه الكبريتية المعدنية.
إن جامعة الدول العربية تشبه قبر (للا شافية) أو قبر الشافعي في مصر، أو قبر الست زينب في دمشق، حيث يحتشد شيعة إيران فيلطمون أنفسهم بالسلاسل والسواطير في جلد أبدي للذات ـ ربما بسبب قذفهم لعائشة فكانت عقوبة أبدية لهم لا ندري؟ فلا تملك هذه القبور المزعومة للناس ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فهذه هي جامعة الدول العربية، منذ نشأتها ولدت ميتة كما جاء في القرآن عن سليمان، وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب.
القطة الشقراء عندي في البيت ولدت ولكن وليدها جاء ميتا فلم تستوعب الموت فاستمرت في لحسه، كما تفعل الدول العربية مع منظمتها الميتة، التي يحاول العديد الحفاظ على هذه الجثة، كما جرت الأقدار مع جثة سليمان حين مات؛ فلم يدله على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته؛ فلما خرّ تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
هل قام المغرب بحركة دابة الأرض كي تسقط جثة منظمة جامعة الدول العربية؟ أنا رجل فكر لا أعول كثيرا على تقديرات السياسيين، فلربما تغيرت المواقف، ولكن ما حدث هو مؤشر على خطورة وضع هذه المنظمة، التي أعتبرها أنا في حكم الميتة، مثل الجثة التي يجب أن تقبر بكل خشوع وبدون عزاء ودموع.
مالك بن نبي الجزائري أوصى بمعالجة نوعين من المؤسسات والأفكار وسماها الأفكار (الميتة) و(القاتلة)، وهو ما يذكرني بالزمر الدموية في عالم الطب.
قال الرجل إن (الأفكار الميتة) هي تلك التي انتهت صلاحيتها كما هو الحال في فكر داعش الحالي؛ فهي جثث بسموم وجراثيم شديدة الفوعة. وأفكار (قاتلة) هي تلك التي تنقل من وسط يناسبها إلى وسط لا يناسبها كما هو الحال في مجلس القرود السوري عفوا مجلس الشعب.
الزمر الدموية تخضع لنفس القانون بين زمرة هي من نفس دم المريض، مع انتهاء الصلاحية، فتقتل المريض مع حاجته لها. والأخرى (القاتلة) التي تخالف زمرة دم المريض، كما لو كان من زمرة O فنقلت له زمرة AB وفي الحالة الأولى هي نفس الزمرة مع انتهاء وقت الصلاحية، وفي الثانية دم ساري المفعول مع اختلاف الزمرة. كلا النوعين قاتل للمريض النازف المحتاج لنقل الدم.
البقية في حياتكم. إنها بطاقة النعوة توزع لدفن جثمان منظمة جامعة الدول العربية بعد أن فاحت رائحة الجثة.
قال لي جاري النشيط سي محمد من الجديدة ما هو البديل؟ قلت القدوة من الاتحاد الأوربي بالاجتماع على المصالح، وليس الأسماء الكبيرة نفخا وزورا وكذبا وبهتانا ثم قتالا.
لقد تحاربت فرنسا وألمانيا كثيرا، ثم اتحدت على المصالح فبدأت باتفاقية الحديد والصلب (المونتان)، ليصل الاتحاد الأوربي ما وصل إليه شعاع الشمس في 28 دولة تضم 450 مليونا من الأنام من الأطلنطي حتى الأدرياتيك وروما.
وعلى العرب أن يدفنوا منظمة الجامعة بدون جمع وجماعة، وينشئوا اتفاقات على مصالح دائمة. مثل تركيا والسعودية بمد أنبوب ماء ونفط في الاتجاهين، ومنه كان سقوط سوريا بيد إيران قاصمة الظهر فليدافعوا عن أنفسهم قبل سوريا الحزينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى