شوف تشوف

الرأي

جمهورية الوهم

عندما تبني من حولك امبراطورية شاسعة لا تحدها أسوار من الغرور، سواء لأنك طبيب مشهور، أو ناشط سياسي معروف، أو كاتب رواياته الأعلى مبيعا في المكتبات، فانتظر أن تسقط امبراطوريتك أو مملكتك أو جمهوريتك فوقك يوما من الأيام..
العمل الذي لا يورث صاحبه تواضعا وأدبا وحياء، ينتهي هو وصاحبه في أكبر مزبلة تاريخ، الإنجاز الذي يلزمك أن ترى في نفسك متعلما وطالبا للعلم ومتعطشا لمعرفة ما مازلت تجهله مهما بلغت عظمة ما وصلت إليه.
الفقيه الذي يخطب في الناس ويعظ ويفتي وينصح، ما لم يعلمه فقهه أن يتعامل مع جميع المصلين بنفس الأدب، وأن يخفض جناحه لضعيفهم قبل قويهم، وأن يبتسم في وجه الفقير المعدم بنفس الطريقة التي يبتسم بها لرئيس المقاطعة أو لغيره من المسؤولين، لا يستحق أن يقف لا على منبر ولا على حتى لوح خشب ملقى على ناصية الطريق!
مركزك الذي يجعلك متألها على من يحيط بك، متقوقعا في سؤددك المزعوم، مترفعا في هيلمان خلَقتهُ وحدك من غرور ممزوج بعنجهية وقلة عقل. هو مركز يجردك من إنسانيتك ويستنزفك حتى آخر نفس فيك.
الوهم، هو أن تظن نفسك على شيء إذا بلغ عدد متابعيك الرقم الفلاني على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تتغطرس لأن أصحاب الحسابات الوهمية يشاركون خربشاتك الغبية وأن الإعجابات عليها بالآلاف أو الملايين. الوهم أن تجعل لنفسك عالما افتراضيا تقبع فيه بعيدا عن أناس حقيقيين يبادلونك الشعور والمحبة والنظرات.. الوهم هو أن تعيش افتراضيا، وأنت ميت على أرض الواقع!
الطبيب الذي يجعل من عمله برجا عاجيا ينظر من خلاله للآخرين باحتقار وازدراء، يرى في وزرته البيضاء وساما ساميا يخول له الترفع والتجبر على الناس، سواء مرضى أو معارف أو أقارب، لم يتعلم من طبه شيئا، بل هو نقطة سوداء في الجسم الطبي الذي يجدر به أن يكون منبع الرحمة ومصدر الأمان للمجتمع كله.
حرر نفسك من الوهم، تحرر من القيود التي تفرضها  عليك سلطتك، علمك، كتاباتك، إنجازاتك، شهرتك.. فليست هي من تجعلك أنت، ليست هي التي تمنحك المحبة الصادقة، ولا الشعور بالدفء الذي تمنحك إياه نظرات من تحنو عليهم. اجعل علمك مصدرا لرفقك بمن لم يتعلم، اجعل سلطتك وقوتك مأمنا لمن لا حول لهم ولا قوة.. اجعل كتاباتك صوتا لمن لا صوت لهم، لمن لا قلم لهم.
العلم الحقيقي يورث الشهامة، والقوة النبيلة تورث الدفاع عن المستضعف، والمعرفة الصادقة تورث السمت الحسن ودماثة الأخلاق، وشهرتك عند الناس هي التي تجعلك أكثر تواضعا لهم.
أما ما دون ذلك، فهو وهم أنت داخله إمبراطور مضحوك عليه.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى