شوف تشوف

الرأيالرئيسية

جماهير نايك وشاكوش

محمد طلبة رضوان

مقالات ذات صلة

  لا مشكلة لدى جماهير المونديال من كل مكان في العالم، لا أحد يشكو، وكل ما يتردد عن محاولات دعوة الجماهير إلى الإسلام أو منعهم من شرب الخمور كذب، لزوم التسخين السياسي والإيديولوجي بين قطر وخصومها. كل ما يحتاجه المشجع الغربي موجود وزيادة، لا نحن أبهرنا العالم ولا خذلناه. ما أراه في قطر الآن أنها تنظم بطولة ناجحة بالمعايير العالمية، وتتفوق على سابقيها في تجهيزات الملاعب والفنادق والرفاهية بحكم إمكاناتها… المشكل ليس هنا، المشكل الحقيقي، في كل حدث أو حديث، هو الجماهير العربية، ما الذي يسعدها ويشعرها بدورها بأنها نجحت، ولها أن تفرَح أو تفخَر؟

هل سمعت تصريحات الكابتن محمد أبو تريكة وتحليلاته الدينية والتاريخية والحضارية والـ«أي شيء» غير كرة القدم؟ ما رأيك؟ مبسوط؟ الإجابة، في الغالب، نعم، وطبعا، والله عليه حبيب والديه، وأبو تريكة عظيم وهايل ومتدين وعم الناس، رغم أن الكابتن أبو تريكة، وفق أي معيار طبيعي، يقول كلاما فارغا، فلا المشجع الغربي مضطر إلى التأقلم مع ظروف لم يتعود عليها في أي بطولة سابقة، نظرا إلى ثوابتنا أو ثقافتنا التي لم ولا ولن نغيرها، ولا قطر أجبرت العالم على تقليدها، ولا كلام ابن خلدون عن ولع المغلوب بتقليد الغالب له محل من الإعراب في مونديال كرة قدم، ولا الذين يقلدوننا في الزي وطريقة الكلام والغناء من جماهير الفرق الغربية يفعلونها، لأننا أبهرناهم، بل لأنهم جاؤوا أصلا للمتعة والمشاهدة والتجريب، وليس لديهم عقد الغالب والمغلوب التي تملأ رؤوسنا، والموضوع في تصورهم أبسط من ذلك بكثير. نحن من يحتاج إلى أبو تريكة وعنترياته كي نشعر أن البطولة نجحت، فالتنظيم وحده لا يكفي، العمل المتقن لا يكفي، شهادات اللاعبين لا تكفي، شهادات الجماهير واستمتاعهم وراحتهم لا تكفي، إنما إحساسنا بأننا حققنا انتصارا ما على ضيوفنا هو ما يمنحنا الإحساس بالنجاح.

هل تابعت أخبار الـ588 مشجعا الذين دخلوا الإسلام بمجرد دخولهم قطر؟ ما رأيك؟ مبسوط، الإجابة غالبا نعم، تكبير وتهليل وسعادة حقيقية، رغم أن الخبر كاذب جملة وتفصيلا، مثل أخبار كاذبة كثيرة يزداد الطلب عليها من ألتراس قطر ونقادها هذه الأيام، كل يبحث عما يبرر به موقفه وانحيازاته، كتابة الأحاديث على الحوائط، توزيع كتيبات دعوية على الجماهير، تغيير المؤذنين وفرض أصواتهم على اللاعبين والمشجعين، آلاف العمال الذين ماتوا تحت الملاعب، مليارات الدولارات التي أنفقت على كأس العالم حصريا، كلها أخبار كاذبة، مع أو ضد، مرّت، وأسعدت أصحابها، وشعروا معها بالانتصار، بل دافع بعضهم عنها، وعن انتصارهم بها ولها، حد اتهام من يحاول «تصحيح معلومة» بأنه إما إسلاميا، في حالة الدفاع عن قطر، أو علمانيا وكارها للدين في حالة الهجوم عليها، أو مرتشيا في كل الحالات.

لفت نظري أن جهة ما قررت أن تستدعي ذاكر نايك للتعريف بالإسلام في أثناء المونديال، وليس لدي مشكلة أن يكون للمونديال وجوه كثيرة غير الرياضة، ولا أحد عاقلا يكره أن يُعرّف الآخرين بنفسه وبدينه وبثقافته وبحضارته وبتاريخه وبمنتجاته وبأفلامه وبموسيقاه وبكل شيء، كل صاحب بضاعة له، وربما عليه، أن يعرضها، طالما أنه لا يفرض نفسه أو يتطفل، ندوات أو مؤتمرات أو حتى دروس في المساجد على هامش الحدث، يقصدها من يريدها، مثلما يقصد غيرها، من الجامع إلى الحانة. المشكل أن نايك وغيره من دعاة قصف الجبهات، لا يمكن أن يقدموا خطابا عاقلا أو مشرفا بأي مستوى. وما أراه أن نايك وأبو تريكة وحسن شاكوش وميريام فارس لم يأتوا لتعريف الآخرين بنا، إنما لتعريفنا بأنفسنا، أو بالأحرى لجمهور الداخل، مخاطبته وإسعاده وإسكاته، ومنحه مبررات، على مقاسه، للفرحة، انتصارات وهمية لجمهور واهم. جمهور هذا حاله، وهؤلاء نخبته، وهذه معاييره للفرحة والانبساط والإحساس بالفخر والانتصار لا يمكن أن ينجز ثورات تحررية ديمقراطية، أو يترك غيرَه لينجزها. من هنا يبدأ التفكير في «ماهية» التغيير «الممكن» وآلياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى