شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

جلسات مسؤولين سابقين..

 

مقالات ذات صلة

 

 

 

يونس جنوحي

 

هذه الأيام، كان أحد الوزراء القدامى جالسا مع سياسي متقاعد في صالون بيته، نعم حتى السياسيون يتقاعدون، وكان ثالثهما مدير وكالة بنكية سابق.

هؤلاء الثلاثة «السابقون» بدؤوا يجترون الذكريات، واستعادوا أمجاد الماضي، عندما كانت الشوارع تُفتح لهم ليمروا بسياراتهم السوداء التي تحمل ترقيم «الناس المهمين». أحدهم قال ضاحكا إنه، منذ اليوم الذي صار الناس يستعملون الهواتف النقالة، طارت البركة من هيبة الاتصالات الهاتفية، التي تنقل قرارات العزل والترقية وتقلب حال مؤسسات بحالها.

وذكّر السياسي المتقاعد، الذي كان يحلم دائما أن يُصبح وزيرا لكن حلمه لم يتحقق، الوزيرَ السابق بالمرة التي سمع فيها تعيينه على أمواج الراديو ولم يكن يعلم أبدا أنه سيُعين مسؤولا عن واحدة من الإدارات في مدينة فاس عقب أحداث سنة 1990. وتذكرا كيف كانا معا يركبان السيارة نفسها وطار الوزير فرحا -ولم يكن قد أصبح وزيرا بعدُ- وهو يسمع خبر تعيينه في نشرة الأخبار ليغيّر وجهته نحو الإدارة التي كان يشتغل فيها، ويجمع أغراضه لكي يلتحق في اليوم الموالي بالمنصب الجديد.

ظل البنكي، المتقاعد هو الآخر، صامتا وهو يتذكر ملامح بعض زبنائه القدامى من الذين كانوا يأتون إلى البنك لإيداع الأموال محاطين بالحرس ويستقبلهم مدير الوكالة كما لو أنهم أصحاب البنك أنفسهم، ويسألهم ماذا يشربون قبل السؤال عن مقدار الأموال التي سيودعونها عنده هذه المرة، وعندما يأتون لسحب الأموال تكون الدماء سُحبت سلفا من وجوههم ويصلون مستعجلين ويختفون حتى قبل أن يعلم مدير الوكالة بوصولهم.

الثلاثة جميعهم يطالعون، هذه الأيام، أخبار توقيف كبار المسؤولين وإحالة برلمانيين على التحقيق وتجميد ممتلكات بعضهم وحساباتهم البنكية، ويحسون بنوع من الراحة لأن مرورهم من مناصب المسؤولية لم يشهد خاتمة مثل الخاتمة التي أصبح ينتهي إليها سياسيو اليوم.

المسؤولون المغاربة القدامى يتذكرون فضيحة محاكمة الوزراء في حكومة مولاي أحمد العراقي قبل 54 سنة، وكيف كان باحنيني -الذي كان الملك الراحل الحسن الثاني يوليه مكانة خاصة- يحس بالإحراج وهو يستقبل في منزله عائلات الوزراء وهم يبكون ويتوسلونه ليطلب من الملك العفو عن الوزراء المعنيين بفضيحة الفساد وطلب رشاو من مستثمرين أمريكيين.

أما الصحافيون القدامى فكلما أثير أمامهم موضوع بريق السلطة وزوالها، يتذكرون «ايامات ادريس البصري» بكل ما يحيل عليه اسم الرجل من الذكريات. فهذا الرجل، الذي كان يجسد السلطة ويخشى وزراء الدولة، حتى من ذكر اسمه بينهم ولو بالخير، انتهى مترنحا في منفاه بباريس، وهو يلوح بكلتا يديه ولا يستطيع حتى تجديد جواز سفره، وهو الذي كان يمنح جوازات السفر ويوزعها كما يوزع تحية الصباح.

التحولات التي تعرفها الساحة السياسية اليوم، والنقاش حول تورط أسماء كثيرة في ملفات فساد وتبديد أموال عمومية وشبهة الاختلاس، لا يمكن إلا أن يكون مسألة صحية بل ومطلوبة. وبما أن الحصانة البرلمانية، التي كان يحتمي بها أغلب من كانت تحوم حولهم الشبهات قبل عقود خلت، لم تعد اليوم تنفع الذين أثيرت أسماؤهم في ملفات الفساد واستغلال السلطة وتبديد الأموال العمومية، فإن الأكيد أن الأيام المقبلة ستحمل مفاجآت أخرى، تعطي درسا للمسؤولين في ضرورة احترام القانون حتى لا تكون نهايتهم شبيهة بنهاية هؤلاء الذين ثبتت في حقهم تهمة تبديد المال العام وحتى خيانة الأمانة.

عندما يدخل وزير السجن، وتنتشر أخبار عن أسطول السيارات الفارهة التي يتوفر عليها، وعن حفلات أعياد الميلاد التي كان يُحييها والشقق التي يوزعها هدايا على من يحيطون به مقابل قضاء الأغراض وتفويت المصالح وتبادل «الخبرات»، فإن الأمر يكون كافيا لترتدع البقية. حتى أن الجلسة التي يجلسها اليوم المسؤولون السابقون، والذين نجت رؤوسهم من أن تُقطف في يوم شديد الحر، ستكون هدفا يسعى إليه بشدة كل من سيمرون من مناصب المسؤولية. وهذا ما يُسمى في الديموقراطيات ربط المسؤولية بالمحاسبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى