شوف تشوف

الرأي

جعجعة.. ولا أرى أخلاقا

من أبدع الصور التي لا يمكن إلا أن تخرجك عن صمتك في الدورة الأخيرة من مضمار سباق الانتخابات، هي ما يصادفنا من إفادات وتصريحات ومقالات على جرائد حزبية وحتى من تدوينات على صفحات فضاءات التواصل الإلكتروني لـ«المناضلين» المنتمين للأحزاب الوطنية «الكثيرة»، العتيدة منها والجديدة، الأصيلة منها والهجينة، التي تمثل كل أطياف وتوجهات الممارسة السياسية بالوطن. لا تملك إلا أن تفغر فاك وتشخص في الوجوه الناطقة أمامك مستنكرة، متأففة من الممارسات غير الشرعية وغير القانونية وغير الأخلاقية التي يمارسها «الآخرون» في إطار الحملات التسويقية، عفوا الانتخابية، لمنتوج سياسي كاسد وفاسد.
لا تملك وأنت تتلقى المزايدة تلو الأخرى إلا أن تضرب كفا بكف وتتحسر على تشابه البقر عليك، بقر فاقع لونه يدعي الصفاء ويمسح عنه دناءة السياسة. بقر يضرب بعضه بعضا في عقر برنامجه الذي لا يوجد أصلا، بينما يستنسخ بعضه عن بعض- البقر دائما- وعودا مكرورة وشعارات ولاء كاذب للوطن وللمصلحة العليا والعامة والشعبية. بقر يمارس الترحال السياسي والتفريخ الحزبي ليس لمصلحة الوطن بل للمقايضة على مصالح حزبية وفردية مادية محضة، يقابل التقاطبات الفكرية داخل الحزب الواحد بانشقاقات السرعة النهائية ويزكي على بياض موكلي لوائح ومرشحين بسوابق قضائية وأخلاقية فاضحة ومفضوحة. يطالعنا أهل اليمين يفتون فينا بالتصويت لصالح «حكومة الله» التي تحارب العلمانية –كأنها العدو- والتي وقفت بصمود أمام سعي «يسار الكفر» الى إشاعة الحريات، ناسين أن هذه الحكومة قد طبَّعت تطبيعا مع الفساد وأهله، بل وأكثر من ذلك عفت عن سُرَّاقِ البلد وامتصت دماء المواطنين. ويطالعنا أهل اليسار باستدلالات جوفاء تتَّكِئ في مجملها على «تاريخ اليسار المجيد» الذي لم يصمد منه طلل واحد في زمن التحالفات المصلحية البعيدة كل البعد عن منهجية البناء المشترك بين أقطاب المشهد السياسي وأضداده، وتشبعنا قصائد غزل في الأحزاب «المدارس» التي لم يعد يتخرج منها إلا المرتزقة ومقتنصو الفرص.
كل «مناضلي» الأحزاب يشجبون وينددون ويتراشقون باتهامات الولاء «للمخزن» وليس للوطن -مع أنها كلها أحزاب «المخزن» ومعارضة «المخزن»- والولاء للعفاريت وللصوص الخفيين بل وحتى للشهب الفضائية. كل أحزابنا تقترح على «فعاليات» المجتمع وأعيانه وكالة لوائحها على بعد أسابيع من تاريخ الاستحقاقات، وتجعلك تتساءل كيف لشخص لم يتمرس ولم يترعرع بين أحضان إيديولوجية سياسية أن يتبناها أولا ثم يدافع عنها. كل الأحزاب تتنصل من مسؤولية الوساخة السياسية التي ندفع ثمنها كمواطنين بسطاء، وتهيب بنا أن نقدر الثروة الثمينة التي بين يدينا، عفوا بين لساننا وحلقنا، ونصوت على الأخلاق. كنت دائما أقدر صوتي كمواطنة، ولطالما تقدمت للتصويت وأنا على بينة من أمري، ولطالما اعترفت من باب الديمقراطية بأحقية الأحزاب التي أختلف معها إيديولوجيا، في تدبير الشأن العام طالما أن برنامجها يرتكز على محاربة الفساد وعلى الممارسات السياسية الأخلاقية . هذه المرة أقر بأنني تائهة لأن الشيء الذي توحد غيابه في كل خطابات الأحزاب هو الأخلاق، استحقاقات هذه السنة كلها جعجعة وسفسطة وتبادل طلقات لغوية مشينة تقتل الأمل وتدفع أصواتنا نحو البياض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى