جطو يصدر تقريرا صادما ويحذر من إفلاس مؤسسات استراتيجية
محمد اليوبي
قدم رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أول أمس (الثلاثاء)، تقريرا صادما أمام لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، حول «قطاع المؤسسات والمنشآت العامة بالمغرب.. العمق الاستراتيجي والحكامة»، دق من خلاله ناقوس الخطر من شبح الإفلاس الذي يواجه هذه المؤسسات الاستراتيجية، كلها تابعة لوزارتي التجهيز والنقل، والطاقة والمعادن، التي يشرف عليهما حزب العدالة والتنمية.
وكشف التقرير أرقاما صادمة حول ارتفاع المديونية في المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب، جلها توجد تحت وصاية وزراء ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية خلال الولاية الحكومية السابقة والحالية، مشيرا إلى أن حجم المديونية في القطاع العمومي في تزايد مستمر منذ سنة 2000، حيث سجل قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا مستمرا لمديونيته، وصل ما مجموعه 440 مليار درهم سنة 2015، وهو ما يشكل 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وأكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن حجم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، سجل ارتفاعا بنسبة 321 في المائة بالمقارنة مع سنة 2004، مشيرا إلى أن هذه النسبة تشكل «مصدر هشاشة للقطاع بكامله». وذكر التقرير أن إجمالي المديونية في المؤسسات العمومية، تطور من 221 مليار درهم سنة 2008، إلى أزيد من 440 مليار درهم.
وحذر التقرير من ارتفاع مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك منذ سنة 2011، والتي تزامنت مع السنة الأولى لتنصيب الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران، واعتبر أن هذا الارتفاع يشكل أحد المخاطر التي تهدد المالية العمومية، وذلك لالتزام ميزانية الدولة بتحمل أقساط الديون المضمونة في حال عدم قدرة بعض الهيئات على سداد ما بذمتها، وجاء على رأس المؤسسات العمومية الأكثر مديونية لسنة 2015، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (56.825 مليون درهم)، متبوعا بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (54.738 مليون درهم)، ثم الشركة الوطنية للطرق السيارة (39.930 مليون درهم)، مجموعة صندوق الإيداع والتدبير (24.757 مليون درهم)، المكتب الوطني للسكك الحديدية (23.995 مليون درهم)، الوكالة الخاصة طنجة المتوسط (10.733 ملايين درهم)، الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (9.382 ملايين درهم)، صندوق تمويل الطرق (6.695 ملايين درهم)، وفي المرتبة الأخيرة الخطوط الملكية المغربية (5.452 ملايين درهم).
وسجل التقرير مجموعة من المخاطر التي تحدق ببعض المؤسسات العمومية الاستراتيجية، بالنظر إلى طبيعة نشاطها أو ظروفها الذاتية، ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والمكتب الوطني للسكك الحديدية والشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، والخطوط الملكية المغربية. وفي ما يخص المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، أشار التقرير إلى أن هذه المؤسسة تعرف، منذ عدة سنوات، اختلالات مالية بنيوية، فمع نهاية سنة 2015، سجل المكتب عجزا في نتيجته الصافية بمبلغ 2.344 مليون درهم، في حين بلغت مديونيته من أجل التمويل 56.825 مليون درهم، وناهزت تحملاته المالية 2.775 مليون درهم وسجلت خزينته رصيدا سلبيا بلغ 4.895 ملايين درهم.
وأشار التقرير إلى أنه، في ماي 2014، تم إبرام عقد برنامج بين المكتب والدولة، يهدف إلى التسوية التدريجية لوضعيته المالية قصد تمكينه من إنجاز برنامجه الاستثماري، كما نص هذا العقد البرنامج على تدابير تكميلية أخرى، من بينها مراجعة التعرفات ورفع الدعم على الفيول، والتحكم في النفقات وتحسين آليات الحكامة. وبالرغم من المجهودات المبذولة من قبل مسيرة هذه المؤسسة، لازالت وضعيتها المالية تتميز بالهشاشة من خلال المديونية المرتفعة وتسجيل ناتج صاف سالب بصفة بنيوية، وتسجيل وضعية سالبة على مستوى الخزينة قد تصل إلى مبالغ جد مرتفعة.
وفي ما يخص الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، تعرف هذه المقاولة بدورها وضعية مالية تطبعها اختلالات بنيوية بسبب طبيعة التركيبة المالية للمشاريع التي تنجزها، وكذا بسبب استغلال مقاطع من الطريق السيار ذات مردودية ضعيفة، وبالتالي تسجل الشركة نتائج يشوبها عجز بنيوي دائم. ومع نهاية سنة 2015، بلغت الديون المتراكمة على هذه المقاولة العمومية حوالي 40 مليار درهم، كان ناتجها الصافي سالبا بمبلغ 2,2 مليار درهم.
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره، بالتزود برؤية استراتيجية قصد ترشيد قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، ودعا إلى حصر حجم المحفظة العمومية تبعا لرؤية استراتيجية محددة سلفا، وإعادة النظر في آليات توسيع نطاق المحفظة، والحفاظ على استقلالية المقاولة العمومية. وبخصوص العلاقات المالية للمؤسسات والمقاولات العمومية مع الدولة، أوصى التقرير بتصفية الوضعية المالية للمقاولات العمومية الاستراتيجية، وممارسة يقظة مستمرة على مديونية هذه المؤسسات، ومعالجة دين الضريبة على القيمة المضافة المتراكم لفائدة المؤسسات العمومية تجاه الدولة، إضافة إلى ترشيد التحويلات المالية للدولة نحو هذه المؤسسات وترشيد مردودية المحفظة العمومية.