ما زال إسهال بلاغات التنسيقيات الداعمة للإضرابات متواصلا، دون أي رؤية واضحة رغم كل المجهودات الاستثنائية، التي بذلت من أجل طي هذا الملف وعودة الحياة المدرسية إلى طبيعتها. واليوم، وبعدما تسيدت فئة من الشعبويين احتجاجات الأساتذة، وأصبحت تقودها نحو المجهول، حتى غابت الحكمة عن العديد من المواقف وضعف حس المصلحة الوطنية أمام منطق الانتهازية والعدمية، أصبح من اللازم أن نسمي الأسماء بمسمياتها.
لقد كان الاحتجاج مقبولا بل ومطلوبا من أجل رد المظالم التي جاء بها النظام الأساسي سيئ الذكر، وكان الاحتجاج مشروعا ومحتضنا شعبيا للدفاع عن تحسين الأوضاع الاجتماعية للشغيلة التعليمية، لكن، بعد العرض التاريخي الذي تقدمت به الحكومة وتوقيع كل النقابات الأكثر تمثيلية، يصبح من باب الإجرام في حق الوطن الاستمرار في إضرابات مفتوحة فقط لاستعراض العضلات وإثبات أن النقابات مجرد كائنات صورية لا حول ولا قوة لها.
لقد أصبحنا أمام فئة من الأساتذة هوايتها الوحيدة هي الدعوة للإضرابات والاحتجاجات، يحاولون استغلال الأساتذة والتلاميذ كوقود لإضرام النار في الوطن، لا يهمهم مصير ملايين التلاميذ، بل المهم هو تحقيق مطالب تعجيزية عجزت عن تحقيقها كل الحكومات السابقة.
والأكيد أن الدولة، عبر جهودها الكبيرة منذ بدء الاحتجاجات، سعت ومازالت لتوفير جواب مالي وقانوني في مستوى التطلعات. وبالتالي فمن يحاول انتقاص جهود الدولة في تحسين أوضاع الشغيلة التعليمية، هدفه ليس اجتماعيا إطلاقاً، ولا رغبة منه في مطلب نقابي، بل هدفه هو المس بالاستقرار الاجتماعي إن لم نقل السياسي، وهذا ديدن بعض التوجهات السياسية التي تختبئ وراء مطالب التعليم طوال عقود وسنوات وعبر محاولات عديدة لزعزعة الاستقرار.
وبدون لف أو دوران، فالدولة تواجه اليوم أزمة تعليمية سُخرت لها كافة الجهود لتخطيها بهدف حماية مصالح التلاميذ والأساتذة ومنع الضرر عنهم، وبالتالي من يسعى لاستغلال هذا الوضع الاجتماعي هو من لا تهمه مصلحة الوطن ولا يهمه مستقبل جيل برمته ولا يكترث أصلاً بمن قد يتضرر مصيره، هو يريد فقط مصالحه، ومثل هؤلاء يرتكبون جرائم في حق الوطن.