حسن البصري
في استوديوهات التحليل الرياضي المتابعة لبطولة كأس العرب في إعلامنا المرئي والمسموع، الوضع تحت السيطرة، لا خروج عن النص إلا خلال فاصل موسيقي أو دعائي.
يحرص محللو الشأن الكروي في بلادنا على تبني مبدأ السلامة، يضعون الملح في الطعام، في الوقت الذي يمارس فيه محللو القنوات العربية الفضائية منطق “كبرها تصغار”.
تتحول فضاءات النقاش في مصر والدوحة والجزائر إلى ساحات معارك محشوة بالألغام، ولا تنتهي السجالات إلا باستسلام طرف أو توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
اخترق المحلل الرياضي ونجم كرة القدم المصرية السابق محمد أبو تريكة، في معرض حديثه عن الكرة، الحد الفاصل وتناول قضية المثلية الجنسية في الوسط الكروي، في ما يشبه “الطابو”. استهل النجم السابق للأهلي المصري مداخلته باستفسار من ابنته حين سألته عن نوع الشارة التي يضعها عمداء فرق الدوري الإنجليزي الممتاز، وكان لونها بقوس قزح.
ابتلع أبو تريكة ريقه ولم يعثر على جواب يموه به نجلته، وحين حل بمقر القناة القطرية دعا لمقاطعة المباريات المقامة الداعمة للمثليين، ولعن سرا وعلانية مبادرات تجعل العقل السليم في الجسم الرخو اللطيف.
حرك موقف المحلل المصري البركة الراكدة، وشرع العلماء ونجوم الكرة البريطانية في تبادل القصف، واختلط الداعية بالمدرب بالمحلل بالحقوقي، وتعرض الاستوديو التحليلي لغارات الناتو كما تعرضت لنيران صديقة، وأعلن الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تضامنه مع اللاعب المصري، وكادت القضية أن تستأثر باهتمام مؤتمر الإيسيسكو لولا إصرار المنظمين على التقيد بجدول الأعمال.
ما أن هدأت زوبعة أبو تريكة، حتى تطايرت شظايا نقاش آخر حول الخمر في الدوريات الأوربية. سأل الإعلامي عمرو أديب اللاعب محمد صلاح عن رأيه عندما يعرض عليه قدح خمر، فأجاب اللاعب مبتسما: “ما بشربش خمور لأنها مش حاجة كبيرة بالنسبة لي عشان أعملها، نفسي على طول مش بتروح لها”.
لم يقنع الجواب دار الإفتاء المصرية، ورأى منتقدو صلاح أن لاعب ليفربول لم يجزم في حواره بشأن احتساء الخمر”، وندم اللاعب أشد الندم حين انهالت عليه الانتقادات من كل حدب وصوب.
لا تتوقف الآراء المثيرة للجدل في استوديوهات التحليل الرياضي، فقد وصلت يوما للحوتيين ولامست أحيانا الدروز، وهددت دول عديدة بإغلاق مكاتب القنوات المنفلتة، بل إن محللا تطاول على منتخب عربي حين قال إن “المنتخب المصري ينهي شوط المباراة الأول بالتعادل مع منتخب بلد حتى شعبه لا يعرف أسماء لاعبيه”.
في الجزائر أصبح المحلل الرياضي الذي يملك منسوب عداء مرتفع للمغرب، مطلوبا في دكاكين التحليل، بل إن أحدهم اكتسب شهرة حين قال إن منتخب المغرب حل بقطر وضمن طاقمه التقني “ساحر” يتسلل ليلا إلى الملاعب ليغمر المكان بخلطته، تبين أن الرجل يعاني من متحور وبائي في طور التجديد.
لحسن الحظ أن لاعبينا ومحللينا لا يتجاوزون خط التماس، وحين يستجمعون قواهم يضربون بالرصاص المطاطي، وحده مدرب الوداد السابق “لوزانو” قال يوما وهو في حالة غضب: “إن كرتكم متعفنة” فتابعته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتهمة التشهير ونشر الغسيل في سطوح الغير.
وبسبب تصريح “على الخواء” مباشرة، أدين محلل مغربي شكك في شجرة أنساب فريق، وحين انهالت عليه الانتقادات تحول إلى زبون لمختبرات التحليل بعد أن ارتفع منسوب الضغط، وبإلحاح من زوجته أعلن اعتزاله التحليل الرياضي وأصبح مدمنا على رياضة المشي بجانب الحيطان.
يشرب رؤساء الفرق الأوربية الخمر يلعبون البوكر في أكبر الفنادق، يأكلون لحم الخنزير، لكنهم لا يأكلون مال اللاعب، لا ينهبون ثروات جمهورهم ولا يديرون ظهورهم لنجوم انتهت صلاحيتهم. هنا يكمن الفرق.