شوف تشوف

الرأي

جرائم الحب

أردت أن أعانقه غير أني أحسست بشلل غريب تسرب لذراعي، أردت أن أعاتبه فوجدت أن صوتي يخونني، أردت أن أرحل فوجدت قدمي تحت طوع إرادتي.. أمسكني من طرف ثوبي الصيفي الأبيض المليء بالدوائر الوردية محاولا منعي من قرار الرحيل. كنت ألاحظ أن شفتيه تتحركان كثيرا، ففهمت أنه نادم فعلا عن كل تلك الأخطاء التي ارتكبها في حقي، نادم فعلا لأنه رحل.. وترك فراغه القاتل يتسرب لقلبي فباقي أعماقي. ساعدني كثيرا رحيله على وضع موازنة بين جحيم تواجده وسكون غيابه، لقد مات بالنسبة لي كل شيء، لم يعد وجوده يحرك شيئا غير أن غيابه يخلف سكينة لم أدر بنعمتها إلا وأنا أغادر المستشفى رابحة فرصة جديدة للحياة. لازلنا في مقتبل العمر، التقينا قبل سنوات بمختبر التحليلات الطبية، كنت على أهبة الزواج من رجل مختلف الجنسية، غير أن هذا الشرقي غير مجرى حياتي، جعلني أفتعل كل شيء لأنفلت من الزواج وألتحق به، لا شيء مميز فيه عدا ذلك الشعاع اللامع الذي يصدر من قلبي وتعكسه عيني كلما التقينا.. إنها مضخة الحب بداخلي تولد طاقة غريبة تعطل كل قوى المنطق التي كنت أخضع اختياراتي لها. خرجنا يومها معا من المختبر وهو يحدثني عن مرض والدته الذي أنهك جسدها، والذي وحد بين داء السكري ومرض القلب المزمن.. وكنت أحدثه عن قابلية الحياة لتحقيق المعجزات الطبية، صلينا لأجلها معا، وأصبحت أضَمِّن في صلواتي أن يتغيب الزوج الأجنبي، أو يهرب، أو حتى يسرع ملك الموت إليه لينقله لعالم آخر غير الذي أتواجد فيه وهذا الفتى الشرقي. الحب يجعلنا مجرمين، ننتهك كل المقدسات لنحققه ونقول إن كل شيء جائز في شريعته.
لم يكن هينا علي أن أقنع والدي بتغيير عريس يوم زفافي، فشتان بين الأول والثاني، الأول غير مسار حياته من أجلي، ديانته، بلده، عمله، عاداته وتقاليده.. حتى الوشم الذي يملأ جسده كان على استعداد لينزعه ويعيش مشوه الجسد إن أمرت بذلك، لكني كنت أحب الوشم الذي يغطي ذراعيه، كنت مولوعة بشقرة شعره وعينيه الخضراوين وعضلاته المفتولة.. رجل مكتمل يحمل بداخله روحا من الجنة. في تقابل معه يوجد الرجل الشرقي، صاحب العينين السوداوين والسحنة السمراء، والطول الفارع والشعر الأشعث الذي لم يرس بره على لون، أحيانا أراه بنيا وأخرى أسود ممتزجا بخصلات بنية.. دواخله متقلبة أحيانا يكون مثاليا وأخرى فظا غليظا.. كنت مستعدة لأغير من أجله عاداتي وتقاليدي، وشتان بين من يتغير لأجلنا ومن نتغير لأجله، إن الإنسان لظلوم جهول فعلا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى