سليمان جودة
نسمع عن جحا وعن طرائفه الذكية والغبية معا، ونسمع عن أنهم لما سألوه يوما عن موقع أذنه اليمنى في رأسه، مد يده الشمال من وراء رقبته ليمسك بأذنه التي يسألونه عنها!.. وقد كان بإمكانه أن يوفر على نفسه هذه اللفة الصعبة من وراء الرقبة، وكان بمقدوره أن يمد يده اليمنى إلى أذنه المقصودة مباشرة، فلا يلتف ولا يدور دورة كاملة للوصول إلى هدفه، كما كانت السفن تدور حول رأس الرجاء الصالح!
شيء من هذا تشعر به وأنت تتابع هذه الأيام ما تسربه وسائل الإعلام عن اتصالات سرية تجري بين الأمريكيين والإيرانيين، بخصوص الجماعة الحوثية في اليمن.
فالجماعة لا تخفي ولاءها لإيران، ولا إيران تخفي ذلك من جانبها، وبدءا من يوم 19 نونبر لم تتوقف الجماعة عن استهداف سفن الشحن التي تعبر من مضيق باب المندب، جنوب البحر الأحمر، وهي تقول إنها تستهدف السفن الذاهبة إلى إسرائيل، وإنها لن تتوقف عن الاستهداف حتى تتوقف الحرب على غزة.. والحقيقة أنه رغم مرور ما يقرب من أربعة أشهر على استهداف السفن، فإنه لم يتضح لأي متابع إلى اليوم أن الاستهداف قد أضر إسرائيل في شيء، أو حتى أفاد الغزاويين في شيء.. ولكن هذا موضوع آخر.
والمهم أن الولايات المتحدة قد شكلت تحالفا بحريا دوليا ضم معها بريطانيا ودولا أخرى لضرب الحوثيين، ومنعهم من تعطيل الملاحة في البحر الأحمر.. ورغم تعدد ضربات التحالف للجماعة، إلا أنها ما زالت تمارس ما كانت قد بدأته في 19 نونبر!
ولأن واشنطن تعرف هي وحلفاؤها في التحالف البحري مدى العلاقة التي تربط جماعة الحوثي بإيران، ولأن دول هذا التحالف تعرف أن إيران هي حاضنة الجماعة بكل المعاني، فلقد راحت تتصل بالإيرانيين في السر للتفاوض على وقف استهداف سفن الشحن!
حسنا.. فهذا طريق يمكن أن يوقف الهجمات، ولكنه يظل حلا مؤقتا لا يؤدي إلى شيء في النهاية، لأن لإيران أهدافها في المنطقة، ولأنها تحقق هذه الأهداف من خلال وكلائها، ومن بينهم جماعة الحوثي في بلاد اليمن السعيد!
أما الحل الدائم فهو التواصل مع الحكومة اليمنية الشرعية في عدن، ودعمها، وتعزيز قدراتها، لا التواصل أبدا مع إيران.. فالحكومة اليمنية هي التي تحظى بثقة اليمنيين، وهي التي تمثل اليمنيين، وهي التي تتحدث باسم اليمن، وهي التي لا أطماع لها في باب المندب، ولا تفكر في استهداف السفن التي تعبره.
تستطيع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تتصرف على غير طريقة جحا، فتدخل اليمن من الباب لا من الشباك، وتستطيع أن تمد يدها من الأمام إلى الحكومة في عدن، فتكون قد تصرفت بما يحمي أمن الملاحة في البحر الأحمر، وبما يحمي مصالحها هي نفسها في المنطقة، وبما يحمي استقرار الإقليم وأمنه وسلامة السفن العابرة في البحر.. تستطيع هذا بسهولة بدلا من أن تمد يدها من الخلف إلى إيران على طريقة جحا وهو يمد يده الشمال!