جاكراندا
لستُ في حاجة لأن أختبئ وراء القصيدة، كي أبوح بكل شيء، سأكتب شعراً ونثراً حتى أروي كل الظمأْ وللنارِ أن تقتاتَ على الحطب، فذاك قدرُه..
للسعادة عيونٌ يتلألأُ بريقُها كلمعان المحيط تحت شمس الظهيرة، في أصياف الطفولة.. لذلك من الصعب أن تخفي سعادتكَ وبهجتكَ مهما حاولت، خصوصا إذا كانت نابعةً من أعمقِ دفءٍ بداخلك، ستكون واهماً لا محالة، كأن تبسط َكفيكَ لتحجبَ قرص الشمس مثلاً.. صحيح عندما كنتُ طفلة كنت أرى الشمس بحجم كفيِّ عندما أمدُّ راحتي الصغيرة لأمنعَ أشعة الشمس عن مقلتي.. في حين كنت أرى المعلم في حجرة الدرس مثلاً، الأعلى قامةً والأكبرَ حجماً بين الناس مهما كان ضئيلا، كنتُ أراه بنفس المعاني التي ترادف كلمة «المعلم»، والتي عرفتُها في ما بعد، المعلم، بمنزلة الأولياء أو الأنبياء، الأعلون قامة وقيمة، وليس بالمعاني والمفاهيم التي تلقن لأطفال هذا الزمن، أو الواردة في «رائعة» سعد المجرد.. تلكم هي عين الطفولة، ترى حجم الحقيقة مثلما نرى نحن حجم البراءة والنقاء.
لا أجد وصفا دقيقا أصف به سعادتي يومذاك، حين طلب مني أن أزور بيته الذي انتهى من وضع آخر اللمسات به، والذي يعتبره قطعة فنية ثمينة، كيف لا وقد قام بإنجازه أحد المهندسين الأكفاء في دنيا المعمار والهندسة الراقية..؟ لم أمانع أبدا، بل أشرقت أساريري وأنا أتلقى الدعوة كما يتلقى النهار أشعة الشمس الأولى، سَطَعتْ ابتسامةٌ تصل فرحتين تحلقان في سماء الأحلام، ثم فُتح َالباب، كان حلما بالفعل، لكن تنقصه الألوان، لأن المنزل كان أبيض في كل التفاصيل، حتى وجه السماء الذي يطل على السطح كان أبيضَ من دون ملامح، عدا الشجرة التي كانت تتوسط البهو، والتي كانت ما تزال تورق في بداياتها الأولى خجولة «محتشمة» وقد تفتحت الزهرات الأولى بنفسجيةً في شكل مختلف وملفت تماما، راقني تزاوج اللونين الأخضر والبنفسجي، أعجبني منظرها كثيرا، وربما من بين أكثر الأشياء التي انبهرت بشكلها وجمالها طيلة حياتي، أخبرَني أنها تدعى الجاكراندا وهي شجرة ذات أصول آسيوية، وذات رموز وأبعاد روحانية، حيث يقال إنها تجلب الحظ… لم أشأْ أن أبدو جاهلة للأمرْ أو منبهرةً لدرجة الغباء، بل بادرتُ إلى القول إنني كنت ورفيقاتي في الفصلِ، نضع وريقات صغيرة من هذه الشجرة لكي تساعدنا على حفظ سور القرآن الكريم بسرعة، وهي تساعد على التفوق والنجاح أيضا، فردَّ علي بسرعة من وجد قطعة نقدية في طريقه: صحيح، لذلك نجحت في العثور عليك، بقي أن أحظى بك لكي أتفوق على الآخرين.. اعتبرت ذاك الحديث من كلام العابرين في اللحظة إلى مرفأ النشوة، لم أتصور قط أن ما سيأتي ليس إلا سيناريو درامي متعدد المشاهد والفصول، تلخصه عبارة أحظى لكي أتفوق…، وبأن الحياة بعد الجاكراندا ليست إلا ذكرى حياة لمعت في لحظة، ثم انطفأت إلى الأبد.