شوف تشوف

الرئيسيةشوف تشوف

ثمن الصمت وثمن الكلام

ما حدث في البرلمان الأوروبي عندما تم التصويت على قرار يدين المغرب على مستوى حقوق الإنسان يكشف عن مؤامرة كان الهدف منها نسف العلاقات المغربية الإسبانية التي تعرف منذ سنتين دفءا ونشاطا غير مسبوقين.

وأكبر خاسر بسبب هذا التقارب المغربي الإسباني هو فرنسا، ولذلك فهي تحاول بكل الطرق ضرب القمة المغربية الإسبانية المرتقبة بجر النواب الإسبان للتصويت ضد المغرب، سوى أن نواب الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا فطنوا لهذا الفخ الفرنسي وصوتوا ضد القرار. خصوصا أن الرئيس الفرنسي عبر في مناسبتين عن رغبته في زيارة المغرب وحدد التاريخ دون أن يتلقى أي رد من المغرب.

وبالنسبة إلى فرنسا فانزعاجها من المغرب بدأ منذ وقع هذا الأخير اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، لأن العلاقة مع إسرائيل كان يتم تدبيرها في السابق عن طريق الإليزي، واليوم هناك تعامل مباشر بين الرباط وتل أبيب على مستوى التجارة والأمن، مما حرم باريس من كم هائل من المعلومات الحساسة التي كانت تقايض بها مصالحها.

ومن جهة أخرى فإسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب منذ سبع سنوات بعدما أزاحت فرنسا من هذه المرتبة، وفي الوقت الذي تتراجع فيه الفرنسية بالمغرب نلاحظ حضورا متزايدا للغة الإسبانية.

إن الحل بالنسبة للمغرب للخروج من دائرة الابتزاز الأوروبي يبدأ بالتخلص من عقدة المستثمر الأوروبي وعقدة اللائحة الرمادية التي يضعه فيها الأوروبيون للجم انطلاقته. وعلينا أن نتأمل جيدا مثال تركيا التي انفتحت على رأس المال القطري والإماراتي والسعودي والعراقي فأصبحت أوروبا هي من يحتاج تركيا وليس العكس.

على المغرب أن يتخلص أيضا من هاجس التقارير الأوروبية والغربية فالغرب وأوروبا لم تعد لديهم أية شرعية أخلاقية لكي يعطوا الدروس لأي أحد، خصوصا بعد السقوط الأخلاقي الذي وقعوا فيه خلال فترة الوباء عندما أظهرت الأزمة وجههم الانتهازي والأناني وتقاسموا في ما بينهم الكمامات واللقاحات تاركين بقية دول العالم الفقيرة تصارع الجائحة عزلاء.

أما المغرب فقد أظهر خلال هذا الامتحان العالمي أنه حريص على حق جميع مواطنيه في الحياة وحق مواطني الدول الأجنبية الذين كانوا في ضيافته، فرفض مقايضة الصحة بالاقتصاد وتحمل بفضل تلاحم أفراده كلفة الإغلاق وضرب للعالم مثالا فريدا في حسن تدبير الخروج من الجائحة بأقل الخسائر الممكنة.

والحقيقة أن انتهازية أوروبا ظهرت أكثر في الفترة الأخيرة بسبب التضخم الذي تسببت فيه حرب دول حلف الناتو وأمريكا ضد روسيا، فأصيبت دول الاتحاد بالجشع وأصبحت من أجل الغاز مستعدة للانبطاح أمام أقدام كل الديكتاتوريات. وما نراه اليوم من سفر رئيسة وزراء إيطاليا، جورجا ميلوني، إلى الجزائر للحصول على المزيد من الغاز الطبيعي يوضح كل شيء، فالزيادة تأتي بعد تصويت برلمانيي إيطاليا ضد المغرب في البرلمان الأوروبي، والشأن نفسه بالنسبة لزيارة شنقريحة إلى فرنسا والتي ستكون مناسبة يدفع فيها رئيس الأركان والرئيس الفعلي للجزائر مقابلا عن تصويت برلمانيي حزب الرئيس الفرنسي ضد المغرب في البرلمان الأوروبي، وهذا المقابل لن يكون سوى رفع حصة فرنسا من الغاز الطبيعي الجزائري.

ويبدو أن رائحة الغاز تؤثر على عيون البرلمانيين الأوروبيين إلى الحد الذي تجعلهم غير قادرين على رؤية حقيقة هذا النظام العسكري الجزائري الدموي الذي يغلق الصحف والمحطات التلفزية ويعتقل الصحافيين ويقمع المعارضين في الداخل ويهددهم ويتعقبهم في الخارج، فيفرشون لعسكرييه البساط الأحمر وهم يفركون أصابعهم فرحا بتوقيع العقود والصفقات.

وقد كنت أحترم الكاتب الجزائري كمال داوود إلى أن قرأت له في العدد 2632 من مجلة لوبوان مقالا يهاجم فيه إيران بسبب قمع الحريات متسائلا “ماذا نملك أن نصنع من أجل الإيرانيين الذين يعتقلون في الفجر”، وهو العدد نفسه الذي نشر فيه حواره مع ماكرون، فقلت مع نفسي كيف يتغافل الكاتب عن كل إخوانه الجزائريين الذين يعتقلهم العسكر من بيوتهم فجرا وينشغل بالإيرانيين؟ أليس نظام بلاده حليفا لنظام الملالي؟ أليست الجزائر أسوأ من إيران؟

بلى، لكنه الثمن الذي يجب على كمال داوود أن يدفعه من أجل أن يستمر مراسلا لمجلة لوبران من الجزائر عوض أن ينتهي في السجن أو المنفى مثل جميع أقرانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى