شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ثقافة الإنجاز وثقافة المجازفة

 

 

رضوان السيد

 

 

بعد مرور زهاء خمسة وأربعين يوما على الحرب الطويلة على غزة، لا تبدو لهذه الحرب التدميرية للإنسان والعمران نهاية. ولا يتردد الذين قاموا بالهجوم في 7 أكتوبر في القول إنها كانت مغامرة «محسوبة»! والمفردتان متناقضتان كما هو معروف في اللغة العربية. ولنبدأ بحججهم، ثم نصير إلى أفكارنا ودروسنا دولا ومجتمعات وشعوبا.

يقولون إنه في زمن هذه الحكومة اليمينية بإسرائيل ضاعت كل الآمال حتى في التهدئة، وبخاصة أنه كانت بالضفة حملات مستمرة على المسجد الأقصى، وأخرى على المخيمات والمدن، كما أن المستوطنين راحوا يغتصبون الأراضي، ويضطهدون المزارعين خلال حصاد المحاصيل الزراعية.. كل ذلك والأجواء خامدة، وكأنما صار الاحتلال قدرا لا مخرج منه، لذا رأينا تحريك الساحة بهذه الطريقة.

وفي كل حرب من الحروب الأربع السابقة، كانت الحرب تهدأ بعد أسبوع أو أسبوعين، رغم الخسائر.. «نحن نعترف بأنها طالت هذه المرة، وأن الكوارث صارت عصية على الاحتمال»، وما بين الحاصرتين هو كلام لأحد قادة المسلحين. وتبقى الفائدة، بحسب هذه المطالعة، مزدوجة: إطلاق سراح المعتقلين بالسجون الإسرائيلية، وتنبيه العالم إلى أن القضية الفلسطينية ما وجدت حلا من أي نوع!

كل الأطراف تتحدث الآن عن «حل الدولتين»، لكنها تؤجل التفاوض عليه إلى حين الخلاص من «حماس»، وهذه الأخيرة مسيطرة بالقطاع منذ عام 2007، لذا فهي متغلغلة في كل مفاصله. ويعني ذلك شقاء كبيرا للسكان الذين يزيدون على المليونين، ولكل منهم قريب أو نسيب بـ«حماس» ولا يقصر الإسرائيليون في اكتشافه حتى في المستشفيات، إن لم يكن قد مات بالقصف!

فلندع مؤقتا آراء الدوليين، ولنلتفت إلى تجربتنا نحن مع التنظيمات المسلحة، سواء كانت فلسطينية أم غيرها. فما من بلد عربي جرب تنظيمات مسلحة تحريرية أو إسلامية واستطاع الخروج منها، وقد حدث ذلك بالعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال. والوضع لم يختلف في فلسطين، فبالكاد استطاع ياسر عرفات الاحتفاظ بهدوء التنظيمات في ظل منظمة التحرير. ومنذ ذلك الحين ما بقي طرف عربي قوي، إلا وأنشأ تنظيما للتحرير! ثم في النهاية ظهرت التنظيمات الإسلامية التي اتصلت بإيران بعد سوريا، واستطاعت الانفصال بغزة التي انسحبت منها إسرائيل وتركتها لتتصارع مع السلطة الفلسطينية بالضفة. وحكمت «حماس» غزة بقبضة من حديد، وكانت إنجازاتها في الحروب الأربع المدمرة إطلاق سراح بعض الأسرى، سعيا إلى زيادة شعبتيها بالضفة.

في العصر الراهن، ما عاد هناك أمل في حلول للمشكلات كبيرها وصغيرها مع الخارج الإقليمي والدولي، إلا من خلال الدول. وتجارب كل دول المشرق في العقود الماضية تثبت ذلك، فالتنظيمات المسلحة لا تحرر ولا تُخرج من ظلم أو حيف، بل تنشر الفوضى ودعاوى التحرير، وهذا هو الشأن في لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا. وحتى لو انهارت السلطة بإحدى الدول، فإن الميليشيات لا تستطيع الحلول محلها وتعمد للسلب والنهب والتقاتل في ما بينها. إن دروس العقود الماضية تبدو بأجلى وضوح في حالة «حماس» وغزة وفلسطين. وقد تعذر توحيد الفلسطينيين رغم كثرة الوساطات، وكان أسهل إجراء محادثات ومهادنات بين «حماس» وإسرائيل، من الوصول إلى حلول مع السلطة الفلسطينية!

إن مؤتمر القمة العربية الإسلامية بالرياض أعاد القضية الفلسطينية إلى موضعها الملائم. ورغم عواصف الأسى واليأس، فمع العودة العربية يعود الأمل بإمكانيات الحل الدائم، والخروج من حروب المجازفات والمغامرات. لقد تلقينا أقسى الدروس، وينبغي أن لا نسمح بالتكرار الذي لا فائدة منه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى