ثريا الشاوي.. رفضت عرض زواج فتعرضت للتصفية الدموية من طرف البوليس السياسي
منذ أن أصبحت قائدة طائرة، ظلت ثريا الشاوي عرضة لغارات البوليس السياسي، في فترة دقيقة من حياة مغرب خرج للتو من قبضة الاستعمار الفرنسي، قبل أن يتم اغتيالها في ظروف ميزها كثير من اللبس والغموض.
صنف مقتل ثريا في خانة الجرائم السياسية، وأجمع الجميع على أن تزامن رحيلها مع الذكرى الأولى لاستقلال المغرب، فيه كثير من الإشارات لمن يهمه الأمر، خاصة وأن رحيلها في فاتح مارس 1956 ألغى كثيرا من الطقوس الاحتفالية لليوم الموالي (2 مارس)، التاريخ الرسمي لذكرى عيد الاستقلال.
لا توجد الكثير من الكتابات حول مقتل ثريا، باستثناء ما جاء في كتاب لعبد الحق المريني، الذي أخرجته للوجود مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، وكتابات صحفية للباحث في ذاكرة المقاومة لحسن لعسيبي، الذي قال إن حياة ثريا تستحق أن تكون «قصة أخرى لعنوان من عناوين الشرف في هذه البلاد».
يروي عبد الحق المريني الساعات الأخيرة من حياة ربانة الطائرة المغربية الشاوي، فيقول: «في عشية فاتح مارس 1956 غادرت ثريا معهد الأميرة لالة آمنة على الساعة السادسة والربع، وكانت ثريا الشاوي من مؤسساته، بعدما ودعت شريكاتها في العمل. وقالت لهن إني على أحر من الجمر، أريد أن أرى ثمرة كفاح الشعب المغربي الأبي، ثم امتطت سيارتها مع أخيها واتجهت نحو المنزل الذي يبعد عن المعهد بحوالي 250 مترا. عند وصولها إلى باب المنزل نادت أمها، وأخبرتها بأنها على موعد مع لجنة «نادي الطيران الملكي»، في الساعة السادسة ونصف. ولكن في نفس اللحظة، أي في الساعة السادسة وعشرين دقيقة كان أمر الله قدرا مقدورا. وأسلمت ثريا الروح إلى العلي القدير. لقد أتاها القاتل الغدار من الخلف، وضرب الضربة القاضية بطلقة مسدس واحدة على مستوى الرأس».
وبعد هذا الاعتداء الفظيع، امتطى المجرمون سيارتهم وفروا هاربين، «فاجتمعت الجماهير حول جسد الفقيدة وحملوه إلى المستشفى، وقدمت الشرطة على جناح السرعة واحتلت الحي الذي يوجد فيه بيت الفقيدة. وفي التاسعة ليلا حضر عامل البيضاء وقدم تعازي جلالة الملك المفدى إلى والد الفقيدة»، يضيف المصدر نفسه.
اتجهت أصابع الاتهام إلى مجموعة أحمد الطويل، العميد في سلك الشرطة السياسية بـ«كوميسارية الساتيام» بالدار البيضاء، وهي المجموعة التي قامت بتصفية العديد من رجال المقاومة. وحسب روايات تحتاج لتأكيد، فإن سبب إقدام رجال الطويل على تصفية ثريا، يعود لرفضها الزواج من الطويلمما رفع مؤشر الغضب في دواخله، وصمم على الانتقام.
ويستند أصحاب هذا الرأي على اقتصار القتل على ثريا وحدها، علما أنها كانت بمعية شقيقها صلاح الدين. لكن الراجح هو أن الطويل أسر لبعض أصدقائه على أنه يريد الزواج من الشابة ثريا الشاوي، ابنة الملياردير، وأول سيدة مغربية تقود طائرة. لكن ضابط المخابرات أحمد البخاري يقول إن الطويل لم يكن سوى أداة تنفيذ طيعة في يد المحجوبي أحرضان، وبالتالي فإن التصفيات كانت تتم بمباركة القياديين.
نجت ثريا من الاغتيال أربع مرات، أولها في أوائل نونبر 1954، حيث استهدفها فرنسيون قاموا بوضع قنبلة بباب الفيلا التي كانت تسكنها، لكن القنبلة انفجرت ولم يصب أي أحد ونجت ثريا من استهداف فرنسي لها. وتكررت المحاولة مرة أخرى في شهر دجنبر، حيث انهال عليها الرصاص من رشاش أوتوماتيكي وهي رفقة والدها، إذ كانت في طريقها إلى المنزل، لكنها لم تصب بأذى. وتكرر الأمر مرة أخرى في غشت 1955، حيث تعرضت لطلقات نارية وهي على متن سيارتها رفقة والدتها، لكن الرصاص أخطأها، ثم تكرر السيناريو نفسه في شهر شتنبر من سنة 1955، لكن تجمع المارة أفشل المخطط.
في شهادة أدلت بها فاطمة التهامي لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، حول ثريا، قالت المولدة الشهيرة إنها تعرضت للاختطاف في صباح اليوم نفسه الذي اغتيلت فيه ثريا، نظرا للشبه الحاصل بينهما، واعتقادا من رجال الطويل أنها الطيارة الشاوي وليست المولدة، قبل أن يتأكدوا من أن الماثلة أمامهم ليست المعنية بالاختطاف، فأفرجوا عنها، وسط عبارات تأنيب من الطويل الذي كان يتأبط رشاشا، لكن القاتل مات بالطريقة نفسها التي قتل بها ثريا.