أحمد مصطفى
قد يرى البعض في قمة آسيا الوسطى والخليج، التي استضافتها السعودية، أن المشترك بين الدول الخمس في آسيا الوسطى ومنطقة الخليج هو الطاقة، حيث أغلب تلك الدول تصدر النفط والغاز، مثل كازاخستان وتركمانستان التي لديها احتياطي كبير من الغاز الطبيعي. وبالتالي قد يكون التنافس بين الكتلتين الاقتصاديتين أكثر من التعاون.
إنما الواقع أن قطاع الطاقة قد يكون من بين مجالات التعاون بالفعل، حيث يحتاج المنتجون والمصدرون إلى التنسيق الدائم في ظل اضطرابات سوق الطاقة العالمية. وكذلك العمل بشكل مشترك مع المستهلكين، لضمان استقرار السوق وتوازن العرض والطلب. والأهم، أنه مع توجه العالم لاستبدال مصادر الطاقة التقليدية بطاقة نظيفة مستدامة، يمكن لدول آسيا الوسطى الاستفادة من تجارب رائدة في دول الخليج، تتعلق بالتحول في مجال الطاقة ضمن استراتيجيات مكافحة التغيرات المناخية.
وربما كان ذلك العامل المشترك الأهم بين الكتلتين الاقتصاديتين، أن كليهما يمر بمرحلة تنويع للاقتصاد بهدف تقليل الاعتماد على الدخل من صادرات الطاقة بتنمية قطاعات اقتصادية أخرى. فضلا عن أن أغلب الدول الخمس في آسيا الوسطى ما زالت إلى حد ما في مرحلة تحول من الاقتصاد الاشتراكي حين كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، لتقترب من اقتصاد السوق. وفي هذا السياق، يعد التعاون مع دول الخليج أفضل لها من القفز إلى النماذج الرأسمالية الأوروبية الراسخة.
الشراكة هنا إذا تتجاوز قطاع الطاقة، على أهمية التعاون فيه، إلى مجالات أوسع. بل حتى تتجاوز استهداف زيادة حجم التبادل التجاري بين الكتلتين الذي لا يزيد كثيرا على ثلاثة مليارات دولار. ربما هناك فرصة بالطبع لزيادة حجم التبادل التجاري، خاصة في ظل نمو قطاعات متنوعة في دول الخليج تحتاج إلى ما تنتجه دول آسيا الوسطى من مواد خام أولية. وإذا كان أهم ما تستورده دول الخليج من الدول الخمس حاليا هو النحاس، فهناك معادن أخرى تنتجها دول آسيا الوسطى بكميات كبيرة مثل الذهب. بل إن بعض المعادن النادرة مثل اليورانيوم والزئبق هي من بين أهم صادرات بعض تلك الدول.
وإذا كانت بعض دول الخليج لديها بالفعل استثمارات كبيرة، بالمليارات، في دول آسيا الوسطى الخمس، فإن هناك آفاقا رحبة لزيادة تلك الاستثمارات، خاصة في دول تتطلع إلى المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر مثل جمهورية قرغيزيا وطاجيكستان. ولعل فرص الاستثمار في قطاع التعدين في تلك الدول لا تقل أهمية عن الاستثمار في قطاع الزراعة، الذي يمثل في بعض دول آسيا الوسطى المكون الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي لها. ومما يجعل تلك الاستثمارات مغرية أن اقتصادات الدول الخمس من بين أسرع اقتصادات العالم نموا، ويقدر متوسط نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لها بنحو 5 في المائة أو يزيد.
طبعا هناك عوامل كثيرة مهمة تعزز فرص التعاون والشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، فتلك الدول في أغلبها تشترك ثقافيا مع المنطقة العربية في أن أغلبية سكانها مسلمون. وتاريخيا، كانت تلك الدول محورا هاما في طريق الحرير القديم الذي يربط الشرق بالغرب مارا بمنطقتنا. لذا نجد الصين سباقة أيضا في تعزيز علاقاتها بتلك الدول. والحقيقة أنه رغم ما يبدو من تنافس هنا، فإن تعزيز الشراكة الخليجية الصينية والخليجية الهندية ربما يكون مفيدا أيضا في الشراكة مع دول آسيا الوسطى. إذا إن الصين والهند شريكان تقليديان لتلك الدول، ربما أكثر من أوروبا المتاخمة لها.
يبقى المستهدف الاستراتيجي الأهم على الأرجح هو استراتيجية دول الخليج لتوسعة شراكاتها مع قوى اقتصادية صاعدة وتكتلات اقتصادية مختلفة، في إطار تحقيق المصالح الإقليمية والقُطْرِيَّةِ لدول مجلس التعاون. وهذا، على المدى البعيد، هدف يخدم عملية التحول الاقتصادي، بل وأيضا تعزيز الأمن والاستقرار في محيط الخليج والعالم العربي.
وذلك تحول مهم جدا على صعيد الدول أيضا، فلم تعد كتل تقليدية مثل الاتحاد الأوروبي ولا حتى أكبر اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة هدف الشراكة الوحيد. ولا يعتبر شططا إذا تصورنا أن توسعة الشراكات بهذا الشكل، إنما تسهم في توجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، متجاوزا نظام القطب الواحد الذي تحتكره واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة.
ولعل العلاقات، التي يمكن وصفها بأنها أكثر من كونها عادية، بين دول الخليج وروسيا – التي ما زال لها نفوذ في آسيا الوسطى حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي – هي عامل مضاف، وليس مطروحا يساعد على تعزيز الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى الخمس. بل إن التحسن في العلاقات الخليجية التركية أخيرا عامل آخر مضاف، بحكم علاقة تركيا التاريخية والمعاصرة بدول آسيا الوسطى، خاصة اقتصاديا.
تظل اقتصاديات دول آسيا الوسطى «بكرا» نسبيا من ناحية التنويع والتحول البنيوي بعيدا عن النظام الاشتراكي القديم. وهذا ما يعني أن بعض القطاعات فيها ما زالت تحمل فرص نمو سريع وتطور مبشرة جدا، من تلك القطاعات مثلا السياحة وبعض قطاعات الخدمات. ولدى دول الخليج من التجربة لتفيد نظيراتها في آسيا الوسطى، أيضا هناك الاستثمارات التي تحتاجها تلك الدول في تلك القطاعات أو غيرها.
نافذة:
يبقى المستهدف الاستراتيجي الأهم على الأرجح هو استراتيجية دول الخليج لتوسعة شراكاتها مع قوى اقتصادية صاعدة وتكتلات اقتصادية مختلفة