تمييز ضريبي
لا يحتاج المواطن إلى كثير من الزاد العلمي والجهد الفكري ليكتشف أن نظامنا الضريبي غير عادل، ويكفي أن يطلع لدقائق على بعض صفحات القوانين المالية ومدونة الضرائب ليقتنع أننا أمام نظام جبائي يحابي الأغنياء ويخنق الطبقة المتوسطة والفقيرة. فنظامنا الضريبي يفرض على صاحب شركة الاستثمار الذي يقيم مشروعا بالملايين في منطقة استثمارية نسبة 15 في المائة عن الأرباح، بينما الموظف أو العامل الذي يتجاوز أجره 10 آلاف درهم فتقتطع ضرائب على مدخوله من المنبع تتجاوز 33 %، دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة عن اقتناءاته المختلفة.
ورغم المجهودات التي بذلت، مازال النظام الجبائي المغربي يعاني نقائص كثيرة واختلالات عميقة وبالجملة وجب تصحيحها، نذكر منها هشاشة العدالة الضريبية التي تجعل موظفا أو عاملا يدفع ضرائب أكثر من الطبيب والمهندس والمحامي والموثق ليستفيد أقل، بل إن الضرائب المفروضة على المهن الحرة أصبحت في الواقع ضريبة على «بعض المهن» وبعض «المكلفين» نظرا لعدم اقتطاع مساهمتهم الضريبية من المنبع، في ظل محدودية إمكانية الإدارة الضريبية في المراقبة، ونظرا للعدد الضئيل وغير الكافي للمفتشين لتغطية مختلف نشاطات الملزمين وحمايتها من الغش والتملص الضريبيين.
لكن الغريب في الأمر أن الموظف والعامل الذي يساهم بثلث مدخوله في أداء الجبايات المفروضة عليه، لا يستفيد من الخدمات العمومية التي يمكن أن تخفف الضغط على استنزاف ميزانيته، وتظهر أرقام أن الطبقة المتوسطة فقدت تقريبا 20 في المائة من إمكانياتها المالية نتيجة القرارات التي اتخذتها حكومتا العدالة والتنمية منذ 2012 سواء تلك المتعلقة بإصلاح التقاعد ورفع الدعم عن المحروقات والزيادة في أسعار الماء والكهرباء والزيادة في أثمان المواد الاستهلاكية بالإضافة إلى 30 في المائة تلتهمها الخدمات العمومية الخاصة في التعليم والصحة والنقل العمومي التي أصبحت تشكل ضغطا قويا على مداخيل الطبقة المتوسطة والفقيرة.
ويحتاج المغرب اليوم إلى إصلاح حقيقي للنظام الضريبي الذي يعيش على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة خلال المناظرة الوطنية الثالثة التي ستنظم خلال الشهر المقبل، فالمنظومة الجبائية الحالية أصبحت واضحة للعيان أنها لا تحترم مبدأ العدالة الضريبية ولا يمكن لها أن تساعد على توجيه ما تحصل عليه الخزينة العامة من ضرائب تقدر سنويا ب 23 ألف مليار نحو قطاعات اجتماعية قادرة على إنتاج خدمة عمومية ذات جودة لأكبر عدد ممكن من مواطنين.
لذلك لا بد من تخفيف العبء الجبائي عن العائلات المتوسطة والفقيرة من خلال إجراءات مستعجلة تتوخى الرفع من سقف الدخول المعفاة من الضريبة على الدخل، وإدماج خصم ضريبي عن الرسوم الدراسية في التعليم الخاص والتطبيب من مجموع الدخل الفردي، مما يساهم في تحسين الدخل لكل فئات المواطنين، كما ينبغي أن تشمل الإصلاحات الرفع من تدابير التحفيزات الاجتماعية للجباية ليكون لها مردود اجتماعي، وفي هذا الصدد تظهر الحاجة إلى ضرورة إدخال تعديلات أساسية على النظام المرجعي والتخفيض من الاجراءات الاستثنائية، في المقابل لا بد أن تحظى الأهداف الاجتماعية بأكبر حصة من النفقات الضريبية حتى يكون للجباية معنى، فلا فائدة من ضرائب بالجملة يقدمها المواطن (4400 مليار عن الدخل و2900 مليار عن الاستهلاك و6000 مليار عن القيمة المضافة و1800 مليار عن التسجيل والتنمبر) ويضطر إلى التوجه إلى مستشفيات ومدارس ونقل الخواص.